اللافت ان الصحافة الغربية و"الاسرائيلية"، ليس لديها منطقة وسط، فمنها من يتحدث عن ما تعتبره دلائل "موثقة" من ان ايران ستستهدف تل ابيب وقواعد امريكية في المنطقة خلال الساعات والايام القادمة، بينما ترى اخرى ان ايران "لم ولن" ترد ، و "ليس لها القدرة على الرد"، وان "اسرائيل غيرت معادلة الردع نهائيا".
يبدو ان عدم استعجال ايران في "الانتقام الغريزي" غير المدروس على العدوان الاسرائيلي على قنصليتها في دمشق، وقيدت قرار الانتقام بتوقيتها هي لا بتوقيت امريكا و"اسرائيل"، هو الذي خلق حالة من السباق المحموم والفاضح، بين الصحف و وسائل الاعلام الامريكية و"الاسرائيلية" والغربية، لدفع ايران الى اتخاذ قرار الرد، وفقا لتوقيت يصب في صالح نتنياهو المهزوم.
ايران تدرك جيداً ان الانتقام غير المدروس، سيقدم هدية لا تقدر بثمن لنتنياهو وكيانه الغارق في وحل الهزائم والفضائح، ليس في غزة فقط، بل في الاقليم والعالم، وحتى في الغرب، كما ان الانتقام الفوري، سيحرر الكيان الاسرائيلي من حالة الخوف والرعب والانتظار والشد، الذي يعيشه الان، والتي تسببت بها سياسة الغموض التي تنتهجها ايران، التي لا يشك حتى بايدن نفسه، انها سترد على العدوان الاسرائيلي الذي نُفذ بطائرة وصواريخ امريكية.
من المؤكد ان الانتقام الايراني قادم لا محالة، وهو انتقام سيكون قاسيا، فطهران تعلم يقينا ان عدم الرد على الكيان الاسرائيلي، سيحفزه على استهدف الاراضي الايرانية بشكل مباشر في المستقبل، ولكن رغم ذلك لن تنجر إلى ما يريده الثنائي الامريكي الاسرائيلي، اي في حرب مباشره معه، لانقاذ نتنياهو وكيانه المسخ من مستنقع غزة، والعمل على تطهيره وتطهير كيانه من ورائهما امريكا، من الاجرام والارهاب الذي مارسه في غزة، عبر حرف البوصلة نحو ايران.
اذا كان نتنياهو يعتقد ان الدعم الامريكي الاعمى له ولكيانه، سيمنع ايران من الانتقام، او حالة الجنون التي يعاني منها بسبب اليأس الذي تعيشه قواته في غزة، وعدم تحقيقه اي من اهداف العدوان على غزة رغم كل الدعم الامريكي والغربي له وقتله اكثر من 33 الف فلسطيني، سيجعل ايران لا ترد على جنونه، فهو واهم ، لانها ردت على سيده الامريكي عندما تجرأ على اغتيال الشهيد القائد قاسم سليماني، وهي على رجعه أقدر، وسوف لن يستمتع كثيرا بنشوة "النصر المزيف"، عندما يتلقى الضربة التي لا هو ولا سيده بايدن يعلم متى سيتلقاها.
ايران ليست في عجلة من امرها، رغم ان الدماء تغلي في عروق ابنائها الذين ينتظرون ساعة الانتقام على أحر من الجمر، فهي وان كانت تتعامل مع الكيان الاسرائيلي وشخص نتنياهو بسياسة "قلي الضفدع"، فهذا الكيان يمر في اكثر مراحل حياته المشؤومة ضعفا، فهو عاجز عن اركاع غزة التي لا تتجاوز مساحتها 350 كيلوكترا مربعا، ولم يقض على المقاومة، ولم يحرر اسيرا، ولم يسيطر على ارض في غزة، ومازالت المقاومة تقصف عمق الكيان، وتحصد ارواج جنوده، وتدمر الميركافات، بينما مجتمعه فهو ممزق بالطول والعرض ومهدد بالتفكك، على صعيد الاقتصاد هو محاصر سوى من شاحنات تنقلها له بعض الانظمة العربية بأوامر امريكية، بينما اغلب موانئه على المتوسط خالية ومعطلة، لتعرضها لقصف متواصل من فصائل المقاومة، وسقط القناع المزيف الذي حاول الكيان على مدى عقود التستر خلفه لاخفاء قبحه وارهابه واجرامه ووحشيته، فأدين في مجلس الامن ومحكمة العدل الدولية، وبدات دول غربية تستنكر ارهابه ووحشيته وتفكر بالاعتراف بدولة فلسطينية، كل ذلك بسبب القوة التي منحتها ايران للمقاومة الفلسطينية ولمحور المقاومة، وهي القوة التي جعلت "الضفدع الصهيوني" يحتضر، وهو احتضار بات الصهاينة انفسهم يتحدثون عنه.
نعيد ونكرر ان نتنياهو ومن ورائه بايدن ، اخطآ عندما اعتقدا ان العدوان على القنصلية الايرانية في دمشق، سيحقق لها ردعا إقليميا تبخر في 7 أكتوبر، فايران تفكر الان بحرمان نتنياهو من "الردع" الذي يعتقد انه حققه من خلال عدوانه، لذلك هي تسعى لتحقيق هذا الهدف على نار هادئة، رغم كل الدم الغالي المراق، فتحقيق هذا الهدف، هو الذي يحدد حيوية وصوابية الفعل ورد الفعل وليس فكرة الانتقام.
العالم/ أحمد محمد