الحمد لله المثيب على الحسنات بالجزاء الأوفى والعافي عن كثير من السيئآت. والصلاة والسلام على موازين الأعمال ومصابيح سبل الرشاد محمد وآله الأطياب.
نعرفكم في مطلعها بعناوين فقراتها، وهي:
- اولياء الله موازين أعمال عباده
- الانسان من الله والى الله
- ايداع الدين والايمان عند الاولياء
- التزود للقاء الحبيب
تتذكرون اننا قد عرفنا في الحلقة السابقة ان موقف وزن الاعمال من مواقف القيامة المهمة.
*******
فكيف السبيل للنجاة في هذا الموقف؟ ومن اين يبدأ سلوكه؟ هذا ما نسعى للإجابة عنه في الفقرة التالية التي اخترنا لها عنوان:
اولياء الله موازين أعمال عباده
روي في عدة من مصادرنا المعتبرة مثل معاني الاخبار للشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) مسنداً عن هشام بن سالم انه سأل مولانا الامام الصادق (عليه السلام) عن قوله عزوجل «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا».
اي ان السؤال كان اعزاءنا عن معنى وماهية هذه الموازين، فأجاب الامام الصادق (عليه السلام) قائلاً: هم الانبياء والأوصياء.
فما معنى كونهم (عليهم السلام) موازين الأعمال؟
المعنى كما اشار لذلك العلماء ومنهم العلامة الطباطبائي في اول الجزء الثامن من تفسير الميزان هو ان اعمال اولياء الله المقربين وعقائدهم (عليهم السلام) تمثل المعيار الذي توزن به اعمال وعقائد الناس عموماً.
والسر في ذلك هو ما اشار اليه العلامة الطباطبائي (رضوان الله عليه) بقوله: «ان المقياس هو حق العمل والاعتقاد [وهذا] هو الذي عندهم عليهم السلام».
ومعنى ذلك ان حق التوحيد او التوحيد الحق الكامل هو الذي عندهم (عليهم السلام) فتوحيد كل فرد يوزن بتوحيدهم الحق، فيحصل على درجته ومقدار وزنه بمقدار اقترابه من توحيدهم الخالص.
وهكذا الحال بالنسبة للأعمال فالصلاة الفضلى هي صلاتهم (عليهم السلام) فهم الذي يؤدون حق الصلاة الكاملة، فوزن وقيمة صلاة كل انسان يعرفان بمقدار ما فيها من صلاتهم عليهم السلام.
وهكذا الحال مع الصوم والزكاة والحج والزيارة والصدقات وغير ذلك من الاعمال الصالحة، فمعرفة وزن كل منها يكون بمقارنتها بأعمال الانبياء والاوصياء عليهم السلام.
ولمعرفة هذه الحقيقه ثمرة تربوية مهمة نشير اليها بعد قليل فكونوا معنا احباءنا.
ما هي الثمرة التربوية لمعرفة حقيقة أن الانبياء والأوصياء هم (عليهم السلام) موازين الاعمال؟
في الاجابة عن هذا السؤال نقول: إن من يريد أن يكون ممن ثقلت موازينه يوم القيامة فعليه ان يزن اعماله واعتقاداته هنا في هذه الحياة الدنيا وهي دار العمل ويسعى لأن تكون موازينه ثقيلة ً بها، ولكن كيف يفعل ذلك؟
الاجابة عن هذا السؤال واضحة على ضوء معرفة الحقيقة المتقدمة، اي أن على من يريد ان تكون موازينه ثقيلة يوم القيامة ان يسعى الى ان يقترب بأعماله واعتقاداته من اعمال واعتقادات المعصومين (عليهم السلام).
وهذا هو ما سعى له السيد الجليل عبد العظيم الحسني (سلام الله عليه) عندما دخل على الامام الجواد (عليه السلام) وعرض عليه اعتقاداته واعماله.
وهذا هو ما نبهنا اليه من قبل القرآن الكريم عندما امرنا بالتأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل شؤوننا.
وهذا هو ما نبهنا اليه حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) عندما امرنا ان نصلي مثل صلاته وان نقتدي بفعاله في الحديث المشهور.
وهذا هو احد اسرار كون الصلاة على محمد وآل محمد هي اثقل الاعمال في موازين العباد كما صحت بذلك احاديث بيت النبوة (عليهم السلام).
وهذا ما سنتحدث عنه ان شاء الله في الحلقة المقبلة من البرنامج، فكونوا معنا.
*******
احباءنا، نتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل بنقل الميكرفون الى زميلنا وهو يعرض على سماحة الشيخ محمد السند بعض اسئلتكم للبرنامج.
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم احباءنا شكراً لكم على طيب متابعتكم لبرنامج عوالم ومنازل معنا مشكوراً على خط الهاتف سماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ من الاخ عبد الرحيم الساعدي وردنا سؤال عن معنى قوله تعالى إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ولماذا يستحب للانسان ان يردد هذا القول خاصة ان اصابته مصيبة او عند وفاة احد الاشخاص؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة معنى هذا الذكر المبارك الشريف يشير الى التوحيد والمعاد، فتعبير انا لله اشارة الى مبدأ الخلائق وخالقهم هو الله عز وجل وانا اليه راجعون ايضاً يشير الى المعاد والرجوع ولقاء الله عز وجل بل ان هذا الذكر الشريف يتضمن معتقدات كثيرة عديدة وهي ان كل الملكية الى الله عز وجل انا لله لكل شيء فينا ولنا هو في الواقع وفي الحقيقة والمبدأ هو لله عز وجل وتحت السلطان وانا اليه تعبير بالجمع ايضاً كذلك اشارة الى كل هذه المخلوقات على اية حال ان لها معاد الى الله عز وجل فحين اذن مبدأها وحقيقتها منه تعالى.
المحاور: المبدأ يعني الخلق سماحة الشيخ؟
الشيخ محمد السند: ومنتهاها الى الله عز وجل وبالتالي فليس لها من الامر شيء في الحقيقة هناك عدة معاني ظريفة معرفية اعتقادية تظهر بالتدبر والتأمل في مثل هذا الذكر الشريف، ومن ثم قد ورد في القرآن الكريم ان الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ يدلل من الموارد الهامة للتخفيف وطء المصاب او البلية النائبة بالانسان هو هذا الذكر الشريف لما يتضمن هذا الذكر الشريف من التسليم لتقدير الله حيث نحن مخلوقون مملوكون لله عز وجل يهون علينا الخطب فيما يجري علينا ولا سيما مع تذكر الانسان والتفافته واعتقاده بان هناك عقبى وليست هذه الدار دار خلود ودار مقام، فبالتالي يهون على الانسان لكل مصاب ينتهي عنده ثم تكون العقبى هناك بالثواب والجزاء وما شابه ذلك:
فمن ناحية الشق الاول: هناك اسباب كثيرة اطفاء نائية النائبة والمصاب.
ومن جهة الشق الثاني: كذلك هناك نوع ايضاً التخفيف والتبريد بالواقع على وهج الشدة التي ربما تكون صبر وسلوى من الذكر الشريف لمثل هذا الامر، وبالتالي يرى الانسان ان الامور هي في الواقع مالكها غيره وهو الله عز وجل وهو يدبر الامور كلها في حكمة ونظم تدبير منه تعالى وبالتالي هذه الاشياء كلها راجعة اليه ومنه فما يسلب منا في الحقيقة هو منه وهو قد اعطانا اياه وهبنا اياه وثم اذا سلبه عنا فقد اخذ ما قد ملك وما قد اعطى فليس الامر هو لنا بالذات بالتالي يهون على الانسان الحزن.
المحاور: خاصة مع التذكر بالمعاد؟
الشيخ محمد السند: فذلك هناك في الواقع المعاني العديدة في مفاد هذا الذكر الشريف ونراها انها في طيات بعضها البعض وكلها في الحقيقة تداوي باطن روح الانسان وباطن نظامه الفكري وبالتالي تهون وتخفف الكثير من المصاب وتوجب استقامة الانسان وصلابته وصبره في الواقع على النوائب ومن اكمل الكمال الصبر على النائبة كما ورد في الحديث الشريف ومن كمال عقل الصبر على النائبة، فالتالي يصبح الانسان لا يحزن بفقد ما كي لا يفرحوا بما اتاهم وبالتالي يكون نوع من التعلق والتطلع الى عوالم اعلى واكثر وليس خلود وانزلاق وتسافل الى دار الدنيا، ففي هذا الذكر الشريف في الحقيقة كنوز من الاثار والفوائد وامور التربية وعسى الله ان يوفق المؤمنين على أي حال لتلاوته وذكرته ومن يوفق اليه بالواقع هو نفسه من المنحة الالهية والعطية الالهية تسوم بالانسان الى الاعالي.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً، وشكراً لكم احباءنا تفضلوا مشكورين بمتابعة ما تبقى من فقرات البرنامج.
*******
من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نواصل تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل بفقرة روائية عنوانها هو:
ايداع الايمان عند الأولياء
جاء في كتاب «التحقيق في الامامة وشؤونها» للاستاذ عبد اللطيف البغدادي عن العلامة الشاعر الولائي الشيخ عبد المنعم الفرطوسي عن آية الله السيد علي شبر عن العلامة الجليل الشيخ راضي آل نصار (رضوان الله عليه) انه قال:
رأيت في منامي في سحر ليلة اربعاء قبيل الفجر، كأن الامام امير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) والحجة (عجل الله فرجه)، قد دخلوا داري، فلما استقر بهم المجلس قال الامام الحجة المهدي كالمخبر: إن فلاناً مات [وذكر اسم احد معارفي]، فإلتفت الامام امير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إن الرجل تعب كثيراً ولكن الذنوب حالت بينه وبين الولاية عند الموت.
يقول العلامة آل نصار: لم تمض على تلك الرؤيا سوى المدة التي يستغرقها نقل الجثمان الى النجف الاشرف من المنطقة التي كان يقطنها الرجل الذي اخبر الحجة المهدي (عليه السلام) عن موته في تلك الرؤيا، وإذا بأخ المتوفى قد جاء الى داري واخبرني بوفاة اخيه وانهم قد جاؤوا بجثمانه الى النجف، فسألته عن وقت وفاته فقال: توفي ليلة الاربعاء في السحر المقارب للفجر!!
لقد جاء في تتمة هذه الرواية ان الشيخ آل نصار حاول جاهداً ان يشارك عائلة المتوفى في تشييعه لكنه لم يستطع ذلك لعلل خارجة عن ارادته، كما لم يستطع حضور مجلس الفاتحه على روح هذا المتوفى الامر الذي زاد في تعجبه!
اي ان بعض الذنوب هي التي حالت بين ذلك الرجل وبين الاقرار بالولاية والحصول على بركاتها عند الاحتضار والانتقال الى عوالم الآخرة، فأي ذنوب هذه؟ وما السبيل للنجاة منها؟
يقول الشيخ عبد المنعم الفرطوسي بعد نقله لهذه الحادثة: لقد ازعجتني هذه الرؤيا وتركت في نفسي اضطراباً كثيراً وبقيت افكر في عظم الذنوب وايها التي تحول بين الانسان وبين هذه الولاية ... ولشدة اضطرابي نظمت ابياتاً جعلت فيها الولاية والدين وديعةً مني عند امين الله في ارضه امير المؤمنين (عليه السلام) وصرت اقرأها عند زيارتي له (عليه السلام) في اكثر الاوقات.
استمعوا اعزاءنا لأبيات الشيخ الفرطوسي بعد هذه الاستراحة.
قبل الاستماع الى هذه الأبيات نشير الى ايداع المؤمن دينه وايمانه عند اولياء الله المقربين (عليهم السلام) من وسائل الورع عن الذنوب وحفظ الايمان والولاية التي امرتنا بها احاديث اهل بيت النبوة عليهم السلام. وهذا ما اشتملت عليه الأبيات المشار اليها وهي:
إمام هدىً ولي الله حقاً
وحجته على نهج الهداية
وصي محمد وكفاه نص
من القرآن ينطق بالوصاية
غداة تنزلت بغدير خم
ببعيته من التنزيل آية
واني مؤمن بولا علي
محب في البداية والنهاية
مقر بالائمة من بنيه
وهم اهل المودة عن دراية
ولكني اخاف عظيم ذنبي
بساعات النزاع من الغواية
وقد اودعته ديني واني
به ارجو الممات على الولاية
*******
والآن كونوا معنا والفقرة الختامية في هذه الحلقة وهي ادبية تحمل عنوان:
التزود للقاء الحبيب
مستمعينا الاكارم من الخطابات الوجدانية البليغة في الحث على الاستعداد لرحلة الانسان في منازل الآخرة، ما جاء بلغة الموعظة الشعرية في ابيات من السهل الممتنع رويت عن امير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب (كنز الفوائد) لابي فتح الكراجكي. قال (عليه السلام) مخاطباً كل من يغفل عن التزود لسفر الآخرة:
إذا كنت تعلم أن الفراق
فراق الحياة قريب قريب
وأن المعد جهاز الرحيل
ليوم الرحيل مصيب مصيب
وان المقدم ما يفوت
على ما يقوت معيب معيب
وانت على ذاك لا ترعوى
فأمرك عندي عجيب عجيب
وللشيخ الزاهد سليمان البحراني ابيات وجدانية جميلة كأنها تعبر عن تأثير تلك الموعظة العلوية في قلبه، فهو يقول في استنهاض الهمة لاستثمار العمر، فقال رحمه الله:
قد كنت في شرخ الشباب بصحة
وبنعمة طابت بها الأكوان
الروض انف بالمكارم والعلا
والحوض من نعمائها ملآن
ذهبت ولم اعرف لها اقدارها
والماء يعرف قدره الظمآن
*******