الحمد لله خير المنزلين والصلاة والسلام على سادات المؤمنين محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته، نسأل الله ان يوفقنا من خلاله الى النجاة من الغفلة عن العوالم والمنازل التي قدر الله لنا ان نطويها، ويعرفنا بما علينا فعله لكي نجتازها بسلام ويكتب لنا الخلود في دار السلام. ايها الاخوة والاخوات، عناوين فقرات هذه الحلقة هي:
سبل النجاة من المساءلة البرزخية
التلقين هدية المحب للمتوفى
الفطنة في اعمار الوطن
وفي غضون ذلك يجيب خبير البرنامج عن سؤال بشأن الجنة والنار وهل هما موجودتان الآن ام لا؟
*******
فالى الفقرة الاولى وعنوانها كما سمعتم هو:
سبل النجاة من المساءلة البرزخية
عرفتنا الاحاديث الشريفة ايها الاخوات والاخوة بجملة من الوسائل الوقائية التي تعين الانسان على ان يجتاز بسلام منزل مساءلة فتاني القبر او منكر ونكير اللذين يسألانه عن عقائده واعماله في المراحل الاولى لرحيله عن عالم الدنيا.
اهم هذه العوامل- اعزاءنا- هو ترسيخ العقائد الحقة في القلب والحرص على ان يرسخ الانسان في قلبه كمال التوحيد الخالص لله عزوجل وهو التوحيد الذي يشتمل على استقرار الاعتقاد برسول الله واوصيائه ومودتهم في القلب، فالمسائلة عن ذلك شاملة لكل ميت.
اجل هذا ما نبهت له كثير من الأحاديث الشريفة نظير قول النبي الاعظم )صلى الله عليه وآله( في الحديث المروي عنه في كتاب اليقين وفيه: «فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا في بر ولا في بحر الا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية امير المؤمنين بعد الموت يقولان للميت: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك ومن امامك...».
وهدتنا احاديث اهل بيت النبوة (عليهم السلام) الى اعمال اخرى يستعين بها المؤمن مسبقاً على مسائلة منكر ونكبر، بمعنى ان من آثار قيامه بها في الدنيا تقوية موقفه في الاجابة عن اسئلة فتاني القبر بعد وفاته. وبعض هذه الاعمال عبادات تشتمل على هذا الأثر.
من هذه الاعمال - اعزاءنا صوم تسعة ايام من شهر شعبان شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقد روى الشيخ الصدوق في ثلاثة من كتبه هي ثواب الاعمال وفضائل الشهور الثلاثة والامالي مسنداً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثاً طويلاً عن فضل صوم شعبان.
وجاء في هذا الحديث: «... ومن صام تسعة ايام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه، ومن صام من شعبان عشرة ايام وسع الله قبره...».
ومن هذه الأعمال - مستمعينا الافاضل- احياء ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك - وهي ليلة القدر الكبرى- وصلاة مائة ركعة فيها، فمن كثير فضل هذا العمل العبادي ابعاد هول المساءلة عن المؤمن.
اجل هذا ما صرح به مولانا الباقر (عليه السلام) ضمن حديثه عن فضل احياء هذه الليلة طبق ما رواه السيد ابن طاووس في اقبال الاعمال وفيه قال الامام (عليه السلام) «ودفع عنه هول منكر ونكير وخرج من قبره يتلألاً لأهل الجمع».
ولسنة الخضاب - أيها الاخوة والأخوات- أثر ايضاً في الاعانة على مساءلة القبر طبق ما نص عليه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام) مروية في كتاب الكافي وكذلك في كتاب ثواب الاعمال.
اجل فقد ذكر (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث اربعة عشر اثراً للخضاب بعضها يرتبط بالصحة البدنية واخرى بالصحة النفسية وثالثة بالصحة الروحية وبعضها يرتبط بعالم القبر وهما استحياء منكر ونكير من العامل بهذه السنة والثاني حصوله على براءة في القبر.
هنا قد يستغرب بعض السامعين مثل هذه الآثار لعمل هو الخضاب وقد لا يجدون ارتباطاً واضحاً بين العمل بهذه السنة وتخفيف مساءلة منكر ونكير للعامل بها او حصوله على براءة في القبر، فكيف يمكن ان نفهم مثل هذه الاحاديث الشريفة؟
في الاجابة عن السؤال المتقدم- مستمعينا الاكارم نقول: ان الآثار المترتبة عن مثل هذه الاعمال انما تتحقق عند العمل بها وفق شروطها اولاً وكجزء من عمل الانسان بالاوامر والنواهي الالهية.
لنضرب مثالاً على ذلك فنقول ان الاحاديث النبوية المروية من طرق الفريقين تصرح بان من قال لا اله الا الله مخلصاً دخل الجنة وكتبت له براءة من النار وواضح ان ذلك لا يعني مجرد التلفظ بكلمة التوحيد الطيبة وحسب بل المراد ان يكون ذكر هذه الكلمة مفتاحاً وتذكرة للعمل بمقتضاها وتجسيد الانسان لحقيقة التوحيد الخالص لله عزوجل في كل شؤونه.
وبناءً على الحقيقة المتقدمة نفهم الاحاديث النبوية المتقدمة ونظائرها، فان آثار الخضاب المذكورة في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) تتحقق اذا جاء الانسان بالعمل وفق شروطه المطلوبة وكجزء من التزامه التوحيدي.
اي ان يكون مخلصاً في نيته فيقوم به امتثالاً لأمر الله ورسوله وان يقوم به بالطريقة الشرعية المطلوبة وبذلك يحصل على ثماره المذكورة كاملةً والا حصل على بعضها بما يتناسب مع درجة اخلاصه او مرتبة اقترابه من الكيفية الشرعية وقد لا يحصل على شيء بل يحصل على ضده كما هو حال من يصلي او يتعبد او يتصدق رياءً او سمعة او غير ذلك من النوايا الشركية المناقضة للتوحيد الخالص.
*******
مستمعينا الاعزاء في الفقرة اللاحقة يجيب خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند على سؤال الاخ ابي محمد من القطيف عن عقيدة مدرسة اهل البيت في خلق الجنة والنار وعلاقتهما بعالم الدنيا فلنستمع معاً لهذا الاتصال الهاتفي.
المحاور: سماحة الشيخ من الاخ اكرم السيد من عدن يسأل عن حقيقة عقيدة اهل البيت عليهم السلام في الجنة والنار، هل هما موجودتان او ستوجدان فيما بعد، ما هي آثار الاعتقاد بذلك؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، ان في منهاج اهل البيت عليهم السلام العقائدي ومعرفتهم ومعارفهم ان الجنة والنار مخلوقتان الآن بالفعل وكانتا مخلوقتين فالمعاد صيرورة اليهما في يوم المحشر ويدل على ذلك جملة من الشواهد القرآنية وجملة من الشواهد الروائية التي رواها الفريقان ففي حديث نبوي ان النبي صلى الله عليه وآله في يوم ما سمع المسلمون في مسجد الرسول هزة فسألوا النبي ما هذه الهزة فقال انها جمرة من نار كانت اسقطت من شرف جهنم ثمانين عاماً حتى وصلت الى قاع جهنم ثم اخبر المسلمين ان رأس من رؤوس المنافقين وكان يبلغ من ذلك العمر كان قد هلك ومات، وكذلك في الخطبة النبوية الشهيرة المعروفة والخطبة الشعبانية التي رواها اهل البيت عليهم السلام وايضاً رويت خطب اخرى ان النبي صلى الله عليه وآله في نهاية او بداية شعبان خطب المسلمين وقال اني ارى احدكم متدلياً بشجرة طوبى بغصن والآخر بغصنين والثالث وهلم جرى ثم رأوا ان وجهه قد انقبض وقال انني ارى احدكم مرتهن بغصن من اعضان الزقوم مما يدلل على ان بالفعل الجنة والنار موجودتان.
المحاور: اغلاق فيما يرتبط بالخطبة الشعبانية ان ابواب النيران مغلقة في شهر رمضان هذا المضمون؟
الشيخ محمد السند: نفس التعبير القرآني في سورة ق «فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد» يدلل على ان ما يشاهده الانسان في مسألة اخروية موجودة منذ السابق وانما كان الانسان في غطاء وهذه الآية عامة حول مشاهد الآخرة وكذلك «انما هي اعمالكم ترد اليكم» من نظرية تجسم الاعمال «ان الذين ياكلون اموال اليتامى ظلما انما ياكلون في بطونهم نارا» وتعبيرات اخرى«ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتاً فكرهتموه» هذه المضامين موجودة في الآيات الكريمة كلها تدلل على شواهد ان هناك ارتباط حي فعلي بين الاعمال في نشأة دار الدنيا وما يترتب على ذلك في الآخرة حين صدور الفعل، من هلل مرة واحدة لا اله الا الله بنت له الملائكة شجرة في الجنة والروايات الكثيرة الموجودة عند الفريقين كلها شواهد على الوجود الفعلي للجنة والنار، ثمرة مثل هذه العقيدة ان الانسان يكون على ارتباط حي وواعز من نفسه يقم يردعه عن الغوايا واتباع الهوى ويرشده وينبهه ويحفزه الى داعي الاستقامة والصراط والهدى والطريق السوي المستقيم هذا الاعتقاد يدلل ذلك ايضاً روايات المعراج وهي روايات عند الفريقين، الرواية الاخرى التي رواها الفريقان من مرور النبي على الشاب الانصاري الذي اصفر لونه وهو على غير هيئته الطبيعية فسأله النبي عما به فقال انه على يقين قال النبي قل لي على حق وحقيقة وما علامة يقينك قال يارسول الله اني ارى الجنة واهلها وارى النار واهلها فقال النبي كف...
المحاور: اذن سماحة الشيخ الروايات في هذا المجال كثيرة وثمرة الاعتقاد انها تجعل الانسان في حالة معايشة للجنة والنار وهو حتى في حياته الدنيا؟
الشيخ محمد السند: بالضبط كذلك.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً.
*******
نتابع مستمعينا الافاضل تقديم الحلقة الخامسة والاربعين من برنامج عوالم ومنازل بمتابعة الحديث عن سبل النجاة في منزل المساءلة من منازل الآخرة وضمن فقرة اخترنا لها عنوان:
التلقين هدية المحب للمتوفى
تحدثنا سابقاً ايها الاخوة والاخوات عن الاعمال التي تعين الانسان على ان يجتاز بسلام منزل مساءلة فتاني القبر، اذا ما قام بها هو في عالم الدنيا.
واضافة اليها عرفتنا الاحاديث الشريفة وسنة رحمة الله الكبرى للعالمين الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) عرفتنا بعمل مهم يقوم به احباء المنتقل الى عالم الآخرة لاعانته على اجتياز منزل المسائلة البرزخية بسلام.
هذا العمل هو الذي تصطلح عليه النصوص الشريفة بمصطلح التلقين، وقد رأينا في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه كان يقوم بهذا العمل عند دفن من يتوفى من اصحابه وبعضهم ممن له مراتب عالية في الاخلاص مثل سيدتنا فاطمة بنت اسد (سلام الله عليها)، فلننقل هنا بعض ما ذكرته الاحاديث الشريفة بهذا الشأن.
يستفاد من الاحاديث الشريفة - اعزاءنا المستمعين- ان تلقين المتوفى يكون على ثلاث مراحل، الاولى الطلب من الله عزوجل ان يثبته على منطقه الحق عند المساءلة.
وهذا ما امرنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحديث المروي في كتاب الجعفريات لمحمد بن محمد الاشعث الكوفي مسنداً عنه انه امر بتلاوة الدعاء التالي عند وضع جسد المتوفى في القبر.
والدعاء هو: «(اللهم) عبد الله نزل بك وانت خير منزول به،اللهم جاف الارض عن جنبيه، وافتح ابواب السماء لروحه، وثبت عند المساءلة منطقه وتقبله بقبول حسن، فانا لا نعلم منه الا خيراً وانت اعلم به منا».
وفي رواية مروية من طرق الفريقين ورد الدعاء التالي عند الدفن: «اللهم لقنه حجته وصعد بروحه ولقنه منك رضوانا».
اما المرحلة الثانية - مستمعينا الاعزاء- فهي قبل سد القبر حيث روي عن الامام الصادق (عليه السلام) استحباب وضع الملقن اليد اليمنى تحت المنكب الايمن للمتوفى ووضع اليد اليسرى على منكبه الايسر ثم يقرأ عبارات التلقين بصوت رفيع.
وعبارات التلقين كما وردت في حديث الامام الصادق (عليه السلام) المروي في كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى) هي: يا فلان بن فلان، الله ربك ومحمد نبيك والاسلام دينك وعلي وليك وامامك... وتسمي الائمة واحداً واحداً الى آخرهم ثم تقول: أئمتك ائمة هدىً ابرار.
ثم تعاد هذه العبارة مرة اخرى، مع استحباب ان يقوم بهذه العملية اقرب اقرباء المتوفى لكي تنطلق كلماته ودعواته عن مزيد من الحرص على نجاة المتوفى، وابعاد الأذى عنه...
اما المرحلة الثالثة - مستمعينا الاعزاء- فهي بعد الدفن وتسوية التراب على القبر وبعد ذهاب المشيعين ففي هذه الحالة يستحب ان يبقى ولي الميت - اي اقرب ارحامه- ويدعو له وهو واضع يده على القبر بالدعاء التالي:
«اللهم ارحم غربته وصل وحدته وانس وحشته وآمن روعته واسكن اليه من رحمتك رحمةً يستغني بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه».
ثم يخاطبه قائلاً: يا فلان او يا فلانة ابن او بنت فلان، هل انك على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله سيد النبيين وان علياً امير المؤمنين وسيد الوصيين وان ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) حق وان الموت حق والبعث حق وان الساعة آتية وان الله يبعث من في القبور.
وقد جاء في ذيل هذه الرواية قول مولانا الصادق (عليه السلام) مشيراً الى أثر هذا العمل «فاذا قال ذلك، قال منكر لنكير: انصرف بنا عن هذا فقد لقن بها حجته...».
*******
الفقرة الختامية لهذا اللقاء اعزاءنا هي استراحة ادبية اخترنا لها عنوان:
الفطنة في اعمار الوطن
من جميل ما قيل من شعر الحكمة في بيان حقيقة الدنيا وكيفية التعامل معها قول الشاعر:
ان لله عباداً فطناً
طلقوا الدنيا وعافوا الفتنا
فكروا فيها فلما علموا
انها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا
صالح الاعمال فيها سفنا
ومن بليغ الخطابات الشعرية في الدعوة الى عدم الركون الى الدنيا حتى اذا اقبلت على الانسان قول الشاعر:
ايا من عاش في الدنيا طويلاً
وافنى العمر في قيل وقال
واتعب نفسه في ما سيفنى
وجمع من حرام او حلال
هب الدنيا تقاد اليك عفواً
اليس مصير ذاك الى انتقال
واخيراً مع هذين البيتين ومقارنة غير صريحة بين منزل الدنيا الفاني ومنزل الآخرة الباقي:
ألا انما الدنيا كأحلام نائم
وما خير عيش لا يكون بدائم؟!
تأمل اذا نلت بالأمر لذةً
فأفنيتها هل انت الا كحالم؟!
*******