البث المباشر

حقيقة ضغطة القبر البرزخ والتطهر استعداداً للقيامة حوار مع الشيخ محمد السند حول بشأن منازل الآخرة طلب الرزق والاستعداد للآخرة

الأربعاء 27 مارس 2019 - 14:37 بتوقيت طهران

الحلقة 34

الحمد لله المعين على طاعته والرؤوف بعباده والصلاة والسلام على شفعاء خلقه في الدارين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واهلاً بكم ومرحباً في هذه الحلقة من حلقات البرنامج نعرفكم اولاً بعناوين فقراتها:
حقيقة ضغطة القبر.
البرزخ والتطهير والاعداد لما بعده.
ضيف البرنامج واجابات عن اسئلة المستمعين.
الانسان بين الدنيا والآخرة وطلب الأرزاق.

*******

فالى الفقره الاولى وعنوانها هو:

حقيقة ضغطة القبر

نصت كثير من الاحاديث الشريفة على ضغطة القبر، وفيها كثير من الاحاديث الصحيحة والمروية من طرق السنة والشيعة الامر الذي يجعل الاعتقاد بها امراً مشتركاً بين جميع المسلمين.
ولذلك ورد في كثير من الادعية الطلب من الله - عزوجل- والاستعاذة به من ضغطة القبر، الامر الذي ينبه الى‌ انه من الامور المهمة والمنازل الحساسة التي يمر بها الانسان في رحلته الى عالم الآخرة.
ولكن من الضروري اولاً ان نعرف ما هي حقيقة ضغطة القبر وعلى من تقع هذه الضغطة هل على روح الانسان ام على بدنه؟ وهل ان هذا الأمر لا يشمل الذين يكون موتهم بما يؤدي الى تلاشي اجسادهم بحيث لا يكون لهم قبر؟
لا يخفى، ان كثيراً مما ورد فيما يرتبط بالقبر ووحشته وضغطته او كونه روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران لايراد منه البعد المادي المعروف للقبر بالدرجة الأولى، بل المراد منه اساساً البعد الروحي، او لنقل المراد منه منزل الروح بعد الموت، اي بعد ان تنفصل عن الجسد فيفقد الاخير الشعور والتأثير الذي كان له على الروح في الحياة الدنيا.
ولكن ينبغي هنا التنبيه الى ان هذه الحقيقة لا تعني انقطاع التعلق بصورة كاملة بين الروح والجسد، او بين قبر الروح وقبر الجسد، بل المستفاد من كثير من الاحكام الفقهية الخاصة بدفن الجسد والقبور المألوفة ان ثمة نوعاً من الارتباط والتعلق بين الروح والجسد حتى بعد الموت.
هذه الحقيقة‌ ستتضح تفصيلاتها في الحلقات المقبلة - ان شاء الله- عندما نتحدث عن خصوصيات واحكام هذا المنزل من منازل الآخرة، ونكتفي هنا بهذه الاشارة كمقدمة تجيب عن كثير من التساؤلات بشأن ضغطة القبر وما تذكره النصوص الشريفة بهذا الخصوص.

*******

البرزخ والتطهير

طيب، بعد هذه المقدمة نرجع الى تعريف معنى ضغطة القبر، فنقول ان المستفاد من النصوص الشريفة هو ان المراد نوع من العذاب التطهيري تعرض له روح الانسان عند وفاته اي عند دخوله عالم البرزخ كنتيجة تكوينية لاعمال عملها في حياته الدنيا.
ولتوضيح هذا التعريف أكثر نقول: ان بعض الاعمال التي يقوم بها الانسان في الدنيا تترك على روحه آثاراً تجعلها تشعر بحالة من الضيق والاذى تتناسب شدتها مع طبيعة هذه الاعمال، وذلك عندما يكشف عن الانسان غطاءه ويرى حقائق الاشياء اي فور دخوله عالم البرزخ
ومثلما ان طبيعة الاعمال تحدد شدة هذا الشعور بالضيق والاذى في عالم البرزخ، فانها تحدد ايضاً امد استمرار هذه الضغطة او الشعور بالاذى لذلك فقد يكون شعوراً واذىً روحياً مؤقتاً يزول بعد حين وقد يستمر امداً اطولاً وقد يبقى - والعياذ بالله من كل ذلك- الى يوم البعث والنشور.
ولذلك فليس من الصحيح ما يتصوره بعض الناس من ان ضغطة القبه تحصل في بداية دخول الانسان عالم البرزخ اذ المستفاد من النصوص الشريفة انها قد تستمر وقد تنقطع، وقد تنقطع ثم تعود نتيجة لأعمال الناس في الدنيا، او نتيجة لعوامل خارجية تطرأ لاحقاً كأستغفار ابن لأبيه يرفع عنه ضغطة القبر او وقوع احد الذين اضلهم بغير علم في متاهات عقائدية او سلوكية فتنعكس على الانسان وهو في عالم البرزخ.
فيما يرتبط بتفصيلات هذا الموضوع ستأتيكم ان شاء الله في الحلقة المقبلة، اما الآن فننقل لكم طائفة من الاحاديث الشريفة بهذا الشأن.
ونبدأ بما روي عن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال في بعض خطبه كما في كتاب الامالي للشيخ الطوسي: 
«عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له اشد من الموت، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته ... وان معيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر...».
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: «ضغطة القبر للمؤمن كفارة‌ لما كان منه من تضييع النعم».
وروي انه (عليه السلام) كان اذا قام الليل يرفع صوته حتى يسمع اهل الدار ويقول: «اللهم اعني على هول المطلع ووسع علي ضيق المضجع وارزقني خير ما قبل الموت وخير ما بعد الموت».

*******

أما الآن نتابع تقديم برنامج عوالم ومنازل بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند اهلاً ومرحباً بكم:
المحاور: سماحة الشيخ من الاخ احمد شريف عبر البريد الالكتروني وردنا هذا السؤال يقول فيه كيف يمكن ان نفهم خلود الناس في الجنة او في النار مع كون الله - تبارك وتعالى- هو الاول والآخر؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين، اولية الباري تعالى وآخريته لا تنافي الخلود في جانب البقاء، الكثير منا يتصور ان اولية الله واخريته امر يتصرم كما هو الحال في الزمان او يتجدد كما هو الحال في قطاعات الزمان وهذا هو تصور خاطيء عن صفات الله فأن اولية الله لم تزل ولا تزال قائمة وصفة ثابتة له كما ان آخرية الله ليست صفة ستحدث له تعالى وانما اخريته هي له في حين ما كانت اوليته ثابتة له.
المحاور: عفواً سماحة الشيخ المطلب دقيق جدا لو تزيدونه توضيحاً. 
الشيخ محمد السند: نعم اخرية الله - عزوجل- ليست من قبيل المراحل الزمانية التي تحدث بعد تصرم وبعد انقضاء ومضي فترات زمنية سابقة تحدث فترات زمنية لاحقة فآخرية القطعة الزمانية مثلاً آخر الشهر السنوي يحدث بعد مضي الاشهر الاولى من السنة، وآخر ايام الاسبوع يحدث بعد مضي الايام الاولى من الاسبوع، هذا الحال في الآخرية في الزمان اذن متجدد الحدوث ولم يكن موجود وانما يوجد فيما بعد.
المحاور: يعني سماحة الشيخ لو اردت توضيح الامر من خلال السؤال التالي بأن الله - تبارك وتعالى- كان الاول ولايزال الاول يعني ماذا يعني الآن؟ هل يكون المعنى المتبادل انه كان الاول فهمناها انه كان ولم يكن شيء ولكن ولازال كما كان يعني الآن هو الاول كيف الآن هو الاول اعتقد لو طرحت هذه القضية سؤال السيد احمد شريف اعتقد يحل.
الشيخ محمد السند: نعم هذا ما سأصل اليه ولكن احببت ان ابين ان الاولية في الزمان في العادة تتصرم وتنقضي وتمضي وتنعدم ولكن هذه الصفة في الباري تعالى ليست فيها الحال كذلك، ولكن هي دائمة وباقية، وكذلك آخريتة تعالى ليست كأخرية الزمان تنوجد بعد ما لم تكن فأوليته تعالى في حين آخريته وآخريته في حين اوليته كانت ولا تزال ولاتزول، اذن معنى الاولية والآخرية فيه تعالى تتخذ معنى ورسماً، بمعنى آخر يختلف عن الاولية والآخرية في الزمان والامور الموجودة داخل نطاق الزمان، معنى اوليته تعالى انه مبدأ ايجاد وفيض الامور وآخريته انه منتهى غاية كمالات الامور، فالباري تعالى هو مصدر ومبدأ ومقوم لكل موجود وكائن ومخلوق في كل حين كان ولا يزال ولا يزول هذا معنى الاول وآخريته هي ان كماله هو منتهى وغاية كل كمال وكل مقصد وهذا نوع من معاني الخلوص والاخلاص ونوع من معاني المعاد ايضاً اي ان كماله هو منتهى الكمال وقدرته هي منتهى القدرات ودرجة‌ القدرة ودرجة الكمال وتعبير الدرجة من باب المسامحة وضيق التعبير هي اعلا الدرجات،هذه العلو والانتهاء والفوقية فوق كل الكمالات، كانت اذن ولا تزال ولا تزول، اذن آخريته في حين اوليته واوليته في حين آخريته، حينئذ لا يتنافى ذلك مع الخلود في الجنة والخلود في النار لان هذا الخلود لا يعني ان الجنة هي منتهى الكمال بل فوق كمال الجنة هناك كمالات اخرى مخلوقة حتى من قبيل على ادخال بحور وسرادقات الربوبية وبحور سبحات الجلالة وماشيه ذلك فكيف بكبد الذات الالهية فأذن ليس خلود الجنة يعني آخريتها، وانها تحيط بآخرية الباري تعالى، لان الاخ السائل فهم من آخرية الباري آخرية زمانية، وليست هي آخرية زمانية وانما هي آخرية منتهي لا تناهي الكمال.
المحاور: سماحة الشيخ هذا المعنى الذي تفضلتم به نتلمسه في انا لله وانا اليه راجعون؟
الشيخ محمد السند: نعم بالضبط انا لله وانا اليه راجعون المبدأ الاولية وراجعون الاخرية.
المحاور: اذن هنا الاولية والآخرية مبدأ الخلق ومنتهى كمالات الخلق سماحة الشيخ بالنسبة للخلود هنا خلود زماني؟
الشيخ محمد السند: الجنة وان كانت جسمانية ولكن ليست جسمانية دنيوية وزمان دنيوي بأعتبار ان لكل موجود جسماني له تقدير من الامر فهناك خلود وبقاء امدي، ولكن امده هو حساب الامد فيه يختلف عن حساب الدنيا.
المحاور: وهل يشتمل على كلا البعدين، البعد والكمال الاخروي بالنسبة للانسان وايضا‌ً هي بالنسبة للبدن او البعد الروحي والبعد البدني هل يمكن تصوره هكذا؟
الشيخ محمد السند: هناك على اية حال كما ان هناك كمالات بدنية تفوق كمالات بدن الدنيا هناك كمالات روحية ينالها المؤمن ولها ابعاد تختلف عن ابعاد البدن، ولكن اياما كان تقدير وحدة المدة والفترة في الجنة وفي عالم الآخرة تختلف في وحدتها التقديرية والحسابية عن وحدة القياس الزمني في الدنيا.
المحاور: هذا القياس الزمني اذن هو خاص بعالم الدنيا والعوالم الاخرى لها قياسات اخرى.
الشيخ محمد السند: نظير التعبير في قوله تعالى «ان يوماً عند ربك كالف سنة مما تعدون».

*******

نتابع اعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل بفقرة ادبية وعظيمة جميلة تحمل عنوان:

الانسان بين الدنيا والآخرة

يروى عن ابي وهيب بهلول الواعظ المسمى بالمجنون انه قال: من كانت الآخرة اكبر همه اتته الدنيا وهي راغمة.
وهذا المعنى مستفاد من احاديث اهل البيت (عليهم السلام) المصرحة بأن من اصلح ما بينه وبين ربه اصلح الله ما بينه وبين الناس، او ان من كان الله همه كفاه الله امر دنياه، او ان من تواضع لله رفعه، ونظائر ذلك.
قال الراوي،‌ ثم انشأ بهلول يقول: 

يا خاطب الدنيا الى نفسه

تنح عن خطبتها تسلم

ان التي تخطب غدارة

قريبة العرس من المأتم

وروي عن كثير بن روح قال: رأيت بهلولاً ذات يوم يتمثل ويقول:

يا طالب الرزق في الآفاق مجتهداً

اتعبت نفسك حتى شفك الطلب

تسعى لرزق كفاك الله بغيته

اقعد فرزقك قد يأتي به السبب

كم من دني ضعيف العقل تعرفه

له الولاية والاوراق والذهب

ومن حسيب له عقل يزينه

بادي الخصاصة لا يدرى له نشب

فاسترزق الله مما في خزائنه

فالله يرزق لا عقل ولا حسب

كما روي عن محمد بن مخلد الواسطي انه كان يقول: انشدني بهلول قوله:

دع الحرص على الدنيا

وفي العيش فلا تطمع

ولا تجمع من المال

فما تدري لمن تجمع

فان الرزق مقسوم

وسوء الظن لا ينفع

فقير كل ذي حرص

غني كل من يقنع

واجمل من كل ما ورد في الاحاديث اهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم) وكذلك في مواعظهم فهي لا تنهى عن طلب الرزق والسعي له، بل تأمر بالاجمال في طلبه تيقناً من كونه بيدالله - عزوجل- وقد ضمنه لعباده، البر منهم والفاجر، لكنه امرهم بالسعي له بأجمال اي بدون حرص ودون جعله اكبر الهم او الهم الوحيد والعياذ بالله.
هذا اولاً وثانياً دعتنا المواعظ المحمدية والولائية الى عدم حصر الهمة في طلب الرزق المادي والدنيوي بل جعل اكبر الهمة في طلب الرزق الأخروي المعنوي الذي هو عند الله باق.
وهذا ما يبينه بعبادة جامعة مولانا الحسن المجتبى (عليه السلام) في قوله: اعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
اي اعمل لطلب الرزق الدنيوي بهمة من لا يخشى فواته وكانه مخلد في الدنيا واعمل للآخرة بحرص من ايقن بأنه ميت غداً فلابد له من الاسراع قبل الفوات.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

ذات صلة

المزيد
جميع الحقوق محفوظة