السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته..
أطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا، سؤالنا فيه هو: على ضوء حديث الثقلين والآيات التي ينطلق منها وكما تبين في الحلقات السابقة، إتضح أن النجاة من الضلالة لا تتحقق إلا بالتمسك بالقرآن وأهل بيت النبوة المحمدية معاً، فهل يعني هذا أن الإنتفاع بالقرآن الكريم لا يتيسر إلا بالرجوع إلى الأحاديث الشريفة؟ أو إلى الإمام المعصوم من أهل بيت النبوة عليهم السلام؟
سؤال مهم ومحوري نسعى للحصول على الإجابة عنه من مناري الهدى ونبعي النجاة من الضلالة؛ فكونوا معنا مشكورين.
أيها الأفاضل، للإجابة عن السؤال المتقدم ننطلق من الآية الكريمة التاسعة والعشرين من سورة - ص - حيث يقول الله أصدق القائلين في وصف كتابه العزيز:
"كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ".
فالقرآن كتاب مبارك كثير المنافع أنزله الله إلى النبي الخاتم – صلى الله عليه وآله – والهدف هو أولاً التدبر في آياته ثم لكي يتذكر أولو الألباب، من هنا نفهم أن التدبر في آيات القرآن الكريم أمر مدعو له جميع الخلق فهو أمر ممكن لهم ولكن الذين يتذكرون وينتفعون منهم هم أولو الألباب.
وهذا يعني أن الآيات التي تصرح بأن القرآن هدى للمتقين وأنه ينتفع به أولو القلوب الحية إنما تشير إلى الإنتفاع العملي به وليس إلى الإنتفاع النظري أي فهم القرآن المجيد.
ولذلك عاتب الله تبارك وتعالى المنحرفين على عدم تدبرهم في القرآن لمعرفة الحق، فقال في الآية الرابعة والعشرين من سورة محمد – صلى الله عليه وآله - :
"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا".
وقال في الآية ۸۲ من سورة النساء:
"أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً".
وواضح من هذه الآيات أن التدبر في القرآن سبب ووسيلة لمعرفة إعجازه وكونه من عند الله عزوجل.
أما الذي يمنع من إتباعه فهو العمى القلبي وليس العقلي أي ليس عدم فهم الحكم والمواعظ التي يشتمل عليها.
ويتضح مما تقدم أن مرتبة من حقائق القرآن الكريم يمكن الحصول عليها وفهمها من التدبر في آياته مباشرة وإمعان النظر فيها وفتح العقل والقلب عليها كما يصرح بذلك الإمام الصادق – عليه السلام – في حديثه المروي عنه في الكافي أنه قال:
"إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره فإن التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور".
والأحاديث بهذا المضمون كثيرة عن أهل بيت النبوة – عليهم السلام – تدعو إلى التدبر في القرآن وآياته على أسس التفكير السليم طبعاً بعيداً عن تفسير القرآن بالرأي وبالقناعات المسبقة والذوق الشخصي والأهواء.
فمع رعاية هذه الأسس يمكن فهم مرتبة من مراتب القرآن الكريم ومعاني آياته الظاهرة ولكن الأحاديث الشريفة تصرح بأن للقرآن الكريم باطناً عميقاً، فمثلاً روي في كتاب الكافي مسنداً عن النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – أنه قال ضمن حديث طويل جاء في بعض فقراته:
"إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان.. وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة.."
وفي هذا الحديث النبوي الجامع بيان أصول فهم القرآن الكريم والنجاة من الفتن نشير إلى بعضها بعد قليل فيما يرتبط بسؤال هذه الحلقة فابقوا معنا.
يشير النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – إلى أن ظاهر القرآن حكم من الحكمة والأحكام وباطنه علم أي أن ظاهره مرتبة من مراتب المعرفة تليها مراتب أعمق وهذه المراتب الأعمق يحتاج الوصول إليها إلى (النجوم على نجوم القرآن) أي إلى المطهرين الذين مسوا حقائقه المكنونة فصاروا نجوماً يستنار بها للوصول إلى الحقائق المكنونة.
وثانياً فإن الحصول على المعارف القرآنية حتى بمرتبتها الظاهرة يكون لمن (عرف الصفة) أي صفة القرآن وسبل فهمه بعيداً عن التحريفات المعنوية وليس اللفظية لمفاهيم القرآن فبذلك تكون تلاوته له بتدبر وحق التلاوة كما ينبه لذلك مولانا السبط المحمدي الأكبر في المروي عنه في كتاب تحف العقول أنه قال:
"... واعلموا أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى... ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حى تعرفوا الذي حرفه فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله والتحريف ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون والتمسوا ذلك عند أهله فإنهم خاصة يستضاء بهم وأئمة يقتدى بهم".
والنتيجة التي نخلص إليها مستمعينا الأفاضل هي أن فهم المرتبة الظاهرية في القرآن الكريم أمر ميسر لمن فتح عقله عليه بعيداً عن الأهواء والتحريفات المعنوية وعلى وفق أسس التفكير السليم.
في حين أن الوصول الى حقائقه المكنونة التي لا يمسها إلا المطهرون وبالتالي النجاة من جميع أشكال الفتن ومنها الفهم غير الصحيح لآياته الكريمة يحتاج إلى الإستهداء بنورانية معلمي القرآن وأهل علمه وورثة البيان النبوي المعصوم.
وبهذا ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران شكراً لكم وفي أمان الله.