سلام من الله عليكم أيها الأكارم ورحمة منه وبركات..
أطيب تحية لكم منا ونحن نلتقيكم بفضل الله في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتابع فيها بعون الله البحث عن تتمة الجواب عن السؤال الذي عرضناه في سابقتها.
والسؤال هو: ما هي شروط أوصاف الإمام الحق الذي هدتنا النصوص الشريفة أن الله لا يخلي أرضه منه في أي زمان حجة على عباده وسبباً لنجاتهم.
فقد عرفنا من الآيات الكريمة ثلاثاً من هذه الصفات هي:
أن يكون معصوماً بالله لم يشرك بالله طرفة عين ولم يرتكب أي معصية وأن يكون مهتدياً بالله غنياً عن أن يهتدي بغيره من الخلق.
والثالثة أن يكون من الموقنين الذين أراهم الله ملكوته فصاروا من حملة عرشه،، فما هي الصفة الرابعة؟
أيها الإخوة والأخوات، الذي نستفيده من الآيات الكريمة أن الصبر هو من الشروط أو الصفات التي يجب توفرها فيمن يختاره الله عزوجل لعهد الإمامة، قال عزوجل في الآية ۲٤ من سورة السجدة: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ".
ومعنى الصبر واضح والمراد منه هنا ما يرتبط بمسؤوليات الإمامة الإلهية وهداية الناس إلى الله بأمره عزوجل، مثلما صبر الأنبياء – عليهم السلام – في تبليغ رسالات ربهم وإنذار الناس وتبشيرهم، قال إمامنا الصادق – عليه السلام – في بعض فقرات حديث طويل عن الصبر المحمدي مروي عنه في كتاب الكافي:
"عليك بالصبر في جميع أمورك فإن الله عزوجل بعث محمداً – صلى الله عليه وآله – فأمره بالصبر والرفق... فصبر النبي في جميع أحواله ثم بشر في عترته بالأئمة ووصفوا بالصبر فقال جل ثناؤه "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" فعند ذلك قال – صلى الله عليه وآله - : الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد".
ولا يخفى عليكم، مستمعينا الأفاضل، أن تطبيق الآية الكريمة المتقدمة على أئمة العترة المحمدية هو لكونهم – عليهم السلام – أسمى مصاديقها دون أن يمنع ذلك إنطباقها على الأئمة من قوم موسى – عليه السلام – الذي جاءت الآية في سياق هدايته – عليه السلام – لبني إسرائيل.
أيها الأكارم، وتصرح الأحاديث الشريفة بحقيقة مهمة هي أن إختيار الله عزوجل أصفياءه لمنصب الإمامة والهداية الكبرى هو لعلمه السابق بأنهم سيصبرون على القيام بمسؤولياتها.
فقد روى العلامة السيد شرف الدين الحسيني في كتاب (تأويل الآيات الباهرة في مناقب العترة الطاهرة) مسنداً عن مولانا الإمام الباقر – عليه السلام – قال: "نزلت هذه الآية في ولد فاطمة – عليها السلام – خاصة [وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون] أي لما صبروا على البلاء في الدنيا وعلم الله منهم الصبر جعلهم أئمة يهدون بأمره عباده إلى طاعته المؤدية إلى جنته فعليهم من ربهم صلواته وأكمل تحيته".
وهذا المعنى ورد ببيان أوضح وأصرح في نص الزيارة الغراء للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء – سلام الله عليها – المروية عن الإمام المعصوم، فقد جاء في بعض فقراتها قوله – عليه السلام -: "السلام عليك يا ممتحنة إمتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك وكنت لما امتحنك به صابرة ونحن لك أولياء مصدقون ولكل ما أتى به أبوك – صلى الله عليه وآله – وأتى به وصيه – عليه السلام – مسلمون".
أعزاءنا المستمعين، وثمة صفة أخرى من صفات الإمام الحق مستفادة من الآية الكريمة المتقدمة نفسها وهي كونه – عليه السلام – يهدي بأمر الله، روي في تفسير علي بن إبراهيم – رضوان الله عليه – عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "الأئمة في كتاب الله إمامان: إمام عدل وإمام جور، قال الله تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا [يعني] لا بأمر الناس، يقدمون أمر الله على أمرهم وحكم الله على حكمهم".
وروي في كتاب المناقب أن النبي – صلى الله عليه وآله – دعا لعلي وفاطمة عليهما السلام فقال: "اللهم اجمع شملهما وألف بين قلوبهما واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم وارزقهما ذرية طيبة طاهرة مباركة واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمرون بما يرضيك".
وقد ورد وصف الأئمة بهذه الصفة أيضاً في الآية ۷۳ من سورة الأنبياء حيث يقول تبارك وتعالى:
"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ".
وقد تقدمت أعزاءنا المستمعين الإشارة في حلقة سابقة وضمن بيان معنى الإمامة أن الهداية بأمر الله تعني إعانة المؤمنين في الوصول إلى كمالهم وتحقيق أهداف عبادتهم بالإرادة التكوينية، إذ أن المراد بأمر الله في المصطلح القرآني هو الأمر الملكوتي والإرادة التكوينية مقابل الإرادة التشريعية التي تتمحور حولها مهمة الأنبياء عليهم السلام في الإنذار والتشريع وبيان الأحكام.
ويتفرع من هذا المعنى، المعنى الثاني للهداية بأمر الله وهو الذي ورد في حديث الإمام الباقر – عليه السلام – من تقديم الإمام الحق أمر الله وحكمه عزوجل على أمر وحكم كل ما سواه.
إذن، مستمعينا الأفاضل، حصلنا من النصوص الشريفة على معرفة صفتين أخريين من صفات الإمام الحق الذي تنجي معرفته وإتباعه من ميتة الجاهلية وهما: الصبر على مهام الإمامة ومسؤولياتها في أعلى مراتبه.
والصفة الثانية الهداية بأمر الله عزوجل وإرادته التكوينية عزوجل بما تعنيه من الإعانة الباطنية الملكوتية للمؤمنين في الوصول إلى الله جل جلاله.
وثمة صفات أخرى للإمام الحق تهدينا إليها النصوص الشريفة نوكل الحديث عنها إلى الحلقة المقبلة بإذن الله من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) نشكر لكم أيها الأطائب طيب الإستماع والمتابعة ولكم من إذاعة طهران خالص الدعوات ودمتم بألف خير.