وروِيَ عن الإمام علِيَّ ـ عليه السلام ـ أنه قال: "رَأْسُ الْفَضائِلِ اصْطِناعُ الْأَفاضِلَ. رَأْسُ الرَّذائِلِ اصْطِناعُ الْأَراذِلِ".
جوهرة علوية عالية راقية سامية تضع معياراً لاختيار المسؤولين والموظفين والأجراء والعاملين في الدولة وفي المؤسسات العامة والخاصة.
فالدولة هي عبارة عن مجموعة من الأفراد يُمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين مُتفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية والتي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.
وهكذا المؤسسة فإنها عبارة عن مجموعة من الأشخاص يعملون معا لتحقيق هدف محدد.
وتتميَّز المؤسسة بأنها تسعى إلى تحقيق المرونة في العمل، وتقليل التكاليف، والتميُّز بالفاعلية والكفاءة عن طريق التأقلم مع الظروف التي تساهم في تحقيق الكفاءة بفاعلية، والقدرة على الابتكار من حلال الاستفادة من التجارب الناجحة.
ولا شك في أن المؤسسة سواء كانت عامة أم خاصة كبيرة أم صغيرة تتقوم بأهدافها وقوانينها والعاملين فيها، ويمثل العاملون فيها قطب الرَّحى، والمحور الأهم الذي إن امتلك المؤهلات المطلوبة، والجدارة الكافية، والالتزام بالقوانين المرعية الإجراء تقدمت الدولة والمؤسسة وتطورت ونمت ونجحت، وحققت أهدافها وبلغت غاياتها، وإذا كان العكس كان الضَّعف والفشل والهوان.
وهذا يفرض أن يتم اختيار المسؤولين والموظفين والعُمّال بدقة ووفق معايير صارمة بعيداً عن المحاباة والوساطات والمحسوبيات والمصالح النفعية الفردية. وما يصدق في المؤسسة يصدق في الدولة.
هنا يأتي ما يقوله الامام علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ من أن: "رَأْسُ الْفَضائِلِ اصْطِناعُ الْأَفاضِلَ" فالفضائل هي المحاسن، أو كل حَسَنٍ من الأمور، والأفاضل هم أولوا الفضل، المتصفين بالفضائل والعاملين بأحسن الأمور لأحسنها، ويكون معنى الجملة أن أحسن المحاسن اصطناع الأفاضل وتأتي بمعنى تأديبهم وتربيتهم، ولعل المراد منها هنا اختيارهم لموقع ما من مواقع المسؤولية أو لوظيفة من الوظائف.
ولا شك في أن من أهم الواجبات المفروضة على الحاكم أو الرئيس للدولة أو المؤسسة أن يختار لمواقع المسؤولية وللوظائف أفضل الناس وأعلمهم وأحسنهم أدَباً وأخلاقاً وعملاً وأزكاهم نفساً وأنقاهم جيباً وكما جاء في عهد الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لصاحبه الأشتر النخعي لمّا ولّاه مصر: "فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِإمَامِكَ، وَأَطْهَرَهُمْ جَيْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً، مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَسْترِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَى الأَقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ".
وإذا كان رأس الفضائل اصطناع الأفاضل، فإن "رَأْسُ الرَّذائِلِ اصْطِناعُ الْأَراذِلِ" والأراذل هم الدون من الناس الذين لا يُعبؤ بهم لقلة علمهم وتجربتهم، وقلة أخلاقهم، وقد يُراد بهم السيئين الفاشلين، فإن اصطناع هؤلاء وتوظيفهم والاعتماد عليهم من أرذل الرذائل لأنهم لا يؤتَمَنون على شيء، ولا يُعْهَدُ إليهم بأي أمر من الأمور.
بقلم / الباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي