سلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته..
تحية من عند الله مباركة طيبة نحييكم بها ونحن نلتقيكم بتوفيقه عزوجل في حلقة اليوم من هذا البرنامج، وفيها أعزاءنا نستكمل الإجابة عن سؤال عرضناه على النصوص الشريفة هو: ما هي حقوق النبي الأكرم علينا وبالتالي واجباتنا تجاهه صلى الله عليه وآله؟
وقد هدتنا النصوص الشريفة كما فصلنا الحديث عن ذلك في الحلقات السابقة إلى أحد عشر حقاً نبوياً على الأمة هي:
الطاعة والإتباع والرجوع إليه للتحاكم عند الإختلاف ومودته والصلاة عليه – صلى الله عليه وآله – وكذلك حق توقير وتعظيمه كما عظمه ربه الجليل، وحق مبايعته ونصرته في حياته وبعدها وكذلك حق زيارته وحق أداء الخمس وحق الأبوة المعنوية ومودة قرباه وإكرام ذريته وحق السعي في رضاه واجتناب الإساءة إليه – صلى الله عليه وآله – .
فما هو الحق الثاني عشر من هذه الحقوق؟
في الإجابة عن السؤال المتقدم تنطلق من الآيات الثانية إلى الرابعة من سورة الجمعة المباركة حيث يقول أصدق القائلين:
"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{۲} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{۳} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{٤}"
أيها الأطائب، تصرح هذه الآيات الكريمة أن الله تبارك وتعالى قد بعث النبي الخاتم – صلى الله عليه وآله – لكي يخرج به الناس من الضلال المبين، وأن هذا الهدف المحوري من البعثة النبوية لا يقتصر على معاصري النبي الأعظم فهو – صلى الله عليه وآله – خاتم الأنبياء والمرسلين، مبعوث أيضاً للذين يأتون من بعده إلى يوم القيامة.
ولإنجاز هذه المهمة ومن رحمة الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله – أوصى بوديعتين خلفهما في أمته مناراً للهداية إلى يوم القيامة؛ وقد جاءت هذه الوصية في مناسبات متعددة خاصة في السنين الأخيرة من حياته – صلى الله عليه وآله -.
ومن هاتين الوديعتين يحصل كل إنسان على ما يطلبه من فضل الله وآياته وما به يحصل على التزكية الربانية ويفوز بمعرفة حقائق الكتاب الإلهي بتعليم من إختاره الله عزوجل لفضله العظيم وهو خلافة النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – في تعليم الناس الكتاب والحكمة.
وهاتان الوديعتان هما كتاب الله وعترة النبي المصطفى وأهل بيته – صلى الله عليه وعليهم أجمعين – كما نص على ذلك حديث الثقلين الشهير وبمعرفتها نعرف أعظم الحقوق النبوية على الأمة وواجبنا تجاهه؛ وهذا ما يهدينا إليه التدبر في نصوص حديث الثقلين المتواتر.
أيها الأكارم.. لقد كتب علماء الإسلام في مختلف قرون التأريخ الإسلامي كثيراً من التحقيقات العلمية في إثبات صحة حديث الثقلين وتواتره عبر طريق الحديث الصحيحة والمعتبرة عند مختلف الفرق الإسلامية.
وهذه التحقيقات العلمية أثبتت صحة حديث الثقلين بصيغة "كتاب الله وعترتي أهل بيتي" وأن طرق الحديث الشريف بهذه الصيغة لا تضاهيها في صحتها وقوة أسانيدها المرويات القليلة التي وردت بصيغة "كتاب الله وسنتي" وإضافة إلى كثرة التحقيقات العلمية التي لا تبقي أدنى شك في صحة وتواتر حديث الثقلين المبارك فقد إنبرى العلماء على مدى التأريخ الإسلامي لبيان الدلالات العقائدية المهمة المستفادة من هذا الحديث الشريف.
فهو من أوضح الأدلة على عصمة العترة النبوية الطاهرة، كما أنه يثبت حتمية وجود إمام في كل زمان من هذه العترة تنجي معرفته ومبايعته من ميتة الجاهلية إما ظاهر مشهور أو غائب مستور.
كما أن هذا الحديث المتواتر دليل قاطع على أن النجاة من الضلالة بعد رسول الله – صلى الله عليه وآله – لا تتحقق إلا بالتمسك بالثقلين، القرآن والعترة معاً، بل إن التمسك الحقيقي بأي منهما لا يتحقق صدقاً وواقعاً إلا بالتمسك بالثقل الثاني.
ونحن هنا نكتفي باستفادة واحدة من هذا الحديث الشريف يرتبط بالسؤال الذي عرضناه بشأن حقوق حبيبنا المصطفى علينا وواجباتنا نحوه – صلى الله عليه وآله – فما الذي نستلهمه من حديث الثقلين الصحيح والمتواتر بهذا الشأن؟
أيها الإخوة والأخوات لنتأمل معاً في نص حديث الثقلين الذي جاء فيه وطبق روايات عدة من طرق الفريقين قوله – صلى الله عليه وآله -: "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
إذن فالثقلان هما وديعتا الحبيب المصطفى في أمته، ومن رأفته – صلى الله عليه وآله – بالأمة أن أمر بالتمسك بهما معاً كسبيل وحيد يضمن النجاة من الضلالة؛ ولكن وبغض النظر عن ذلك أليس من حق نبي هو الرحمة الكبرى والرأفة العظمى بالناس أن تحفظ له وديعتاه؟
كل وجدان سليم يجيب عن هذا السؤال بالإيجاب، فحفظ ودائع مثل هذا الرجل العظيم مهما كانت هو من بديهيات حق الوفاء له، فكيف إذا كانت هذه الودائع سبيل النجاة من الضلالة؟ وكيف إذا كان النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – قد طلب منا أن نحفظ حرمته بحفظ هاتين الوديعتين وقال: "فانظروا كيف تخلفوني فيهما"؟
وكيف الحال وقد قال – صلى الله عليه وآله – في إحدى المرات التي أوصى فيها بالثقلين "أذكركم الله في أهل بيتي" وكرر هذه العبارة ثلاث مرات كما في رواية صحيح مسلم عن زيد بن أرقم؟
إذن نخلص مما تقدم إلى أن من أعظم حقوق النبي الأكرم على أمته ومن دخل في دينه الحق إلى يوم القيامة أن يحفظوا وديعتيه اللتين أوصى بالتمسك بهما للنجاة والضلالة وأداء هذا الحق العظيم هو أهم وسائل الوفاء له – صلى الله عليه وآله – وأجلى مصاديق إدخال السرور عليه وابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى.
وفقنا الله وإياكم لأداء جميع الحقوق المحمدية ببركة التمسك بعرى وديعتيه المقدستين كتاب الله المجيد وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وبهذا ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران دمتم بألف خير وفي أمان الله.