السلام عليكم مستمعينا الأطائب و رحمة الله و بركاته، تحية طيبة مباركة نهديها لكم و نحن نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج، نتابع فيها السعي للحصول على المعرفة الأعمق بنبينا المصطفى – صلى الله عليه و آله – من خلال ما تبينه نصوص ثقلي الهداية الربانية، و السؤال الذي نتناوله اليوم: مالذي نستفيده من وصف الله عزوجل لنبيه الأكرم بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ نبحث معا عن الأجابة فتابعونا على بركة الله.
أيها الأخوة و الأخوات، في مورد واحد من كتابه المجيد، وصف الله تبارك و تعالى الرسول الأعظم – صلى الله عليه و آله – بكونه (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) و هذا من الأوصاف التي خصه بها و لم يصف به قبله أيا من أنبيائه السابقين – عليهم السلام – قال تبارك و تعالى في الآية السادسة من سورة الأحزاب: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً". (سورة الأحزاب٦) روي في تفسير مجمع البيان أن سبب نزول هذه الآية الكريمة هو أن النبي – صلى الله عليه و آله – لما أراد غزوة تبوك و أمر المسلمين بالخروج قال قوم منهم: نستأذن آبائنا و أمهاتنا، فأنزل الله عزوجل هذه الآية. و هذا يعني أن الله عزوجل أراد أن يقول لهم أن مقام النبي الأكرم – صلى الله عليه و آله – هو أعلى للمؤمنين من مقام الآباء و الأمهات، فله مقام الأبوة الروحانية العليا التي تجعل طاعته أولى و أوجب من طاعة الآباء و الأمهات. و لذلك قال المفسرون في معنى الآية أنها تنص على أن رسول الله – صلى الله عليه و آله – أحق بتدبير المؤمنين من أنفسهم و حكمه على أنفسهم أنفذ و أولى بالإتباع من حكمهم على أنفسهم، فإذا دعتهم أنفسهم إلى شيء و دعاهم النبي – صلى الله عليه و آله – إلى شيء آخر كانت طاعته أولى لهم و خيرا لهم من طاعتهم لأنفسهم. و السر في ذلك يكمن في كونه – صلى الله عليه و آله – أرأف بالمؤمنين من أنفسهم و أشفق عليهم من شفقة الآباء و الأمهات النسبيين، و أحرص على دفع الأذى عنهم و إيصال الخير إليهم كما يشير لذلك قوله تبارك و تعالى في آخر سورة التوبة: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{۱۲۸}".
مستمعينا الأفاضل، و تلاحظون في الآية الكريمة المتقدمة، أن الله تبارك و تعالى قد وصف نبيه الأكرم – صلى الله عليه و آله – بصفتيه عزوجل في الرأفة و الرحمة، و هذا تعبير لم يصف بمثله أي من أنبيائه السابقين – صلوات الله عليهم أجمعين – و في ذلك إشارة إلى شدة شفقته – صلى الله عليه و آله – بالخلق. و قد بلغت هذه الشفقة المحمدية حدا أشفق الله عزوجل على نبيه الأكرم – صلى الله عليه و آله – من أن يقتل نفسه في سبيل إنقاذ العباد و هداية الخلق: كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية الثالثة من سورة الشعراء: " لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"، و كذلك قوله عزوجل في الآية السادسة من سورة الكهف"فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا".
روي في تفسير علي بن إبراهيم القمي – رضوان الله عليه – في تفسير آية سورة الكهف عن مولانا الإمام الباقر – عليه السلام – قال: ""فلعلك باخع نفسك": [يعني قاتل نفسك على آثارهم]، "إن لم يؤمنوا بهذا الحديث" أي بهذا القرآن، "أسفا" أي متأسفا عليهم، و الأسف فرط الحزن".
أيها الأكارم، عندما نراجع الآيات الكريمة التي تركز قصص الأنبياء السابقين – عليهم السلام – نجدها تصفهم نسبة إلى أممهم نسبة الأخ، فتقول مثلا في الآية ٤٥ من سورة النمل "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ" و تقول مثل عن عاد "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً"، و كذلك عن شعيب و كذلك عن نوح تقول "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ"، و كذلك الحال مع سائر الأنبياء السابقين – عليهم السلام –.
و في ذلك إشارة إلى أن شفقتهم على أقوامهم بمرتبة شفقة الأخ على إخوانهم، و هي – كما هو الواضح – دون شفقة الأب على أبنائه و هذه هي المرتبة التي خص بها النبي الرحمة – صلى الله عليه و آله – فلشدة شفقته بالخلق كان رحمة الله الكبرى للعالمين و كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ لأنه أرأف بهم من أنفسهم. و لذلك فسرت آية "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ" الواردة في سورة لقمان بالنبي الأكرم – صلى الله عليه و آله – كما ورد في أحاديث العترة الطاهرة، بأن الوالدين هما رسول الله و وصيه أمير المؤمنين – عليهما و آلهما أفضل الصلاة و السلام –، كما سنتناول ذلك في الحلقات الخاصة بواجبات المؤمنين تجاه نبي الرحمة – صلى الله عليه و آله –. و نكتفي هنا بما رواه الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع عن إمامنا الصادق – عليه السلام – في بيان علة وصف الله نبيه الأكرم – صلى الله عليه و آله – بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال – عليه السلام –: "إن شفقة النبي – صلى الله عليه و آله – شفقة الآباء على الأولاد، و من بعده شفقة علي – عليه السلام – لأنه وصيه و خليفته و الإمام بعده، فلذلك قال: أنا و علي أبوا هذه الأمة، و صعد النبي – صلى الله عليه و آله – المنبر فقال: من ترك دينا أو ضياعا فعلي و إلي و من ترك مالا فلورثته، فصار بذلك أولى من آبائهم و أمهاتهم و صار أولى لهم منهم بأنفسهم و كذلك أمير المؤمنين – عليه السلام – بعده جرى ذلك له مثلما جرى لرسول الله – صلى الله عليه وآله –".
و بهذا الحديث الصادقي المبارك نختم مستمعينا الأفاضل لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا و أجوبة الثقلين) قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، شكرا لكم و في أمان الله.