السلام عليكم مستمعينا الأكارم و رحمة الله و بركاته،
أهلا بكم و مرحبا في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا، و الذي نسعى فيه الى الحصول على العقائد الحقة من نصوص نبعي الهداية الربانية القرآن الكريم و أهل بيت النبوة المحمدية – عليهم السلام–.
و ذلك من خلال عرض أسئلتنا عليهما و السعي للحصول على الأجوبة منهما ، سؤال هذه الحلقة يرتبط بالنبي الخاتم –صلى الله عليه و آله –، و وصف الله عزوجل له ( بالنبي الأمي).
فقد عرفنا من النصوص الشريفه أن معنى (الأمي) هو كونه – صلى الله عليه و آله – ليس من أهل الكتاب أي من اليهود و النصارى بل النسبة إلى (أم القرى) و هي مكة المكرمة التي بعث فيها و كان من أهلها . و هذا المعنى هو الذي تدل عليه النصوص الشريفة قرآنا أو سنة؛ أما المعنى القائل بأن معنى (النبي الأمي) هو الذي لا يحسن القراءة و الكتابة ، فهو معنى أشاعه الذين أرادوا الإساءة إلى سيد الأنبياء – صلى الله عليه و آله – و لذلك لعنهم أئمة العترة المحمدية . و هنا نسأل: على ضوء ما تقدم كيف نفهم ما جاء في القرآن الكريم نفسه من أن النبي لم يكن قبل البعثة يتلو كتابا و لا يخطه بيمينه؟ نبحث عن الإجابة في النصوص الشريفة فتابعونا على بركة الله .
ما ورد في السؤال المتقدم جاء في مورد واحد هو في سورة العنكبوت، و عندما نتدبر جيدا في السياق الذي ورد فيه تتضح الإجابة عنه بوضوح ، لنقرأ أولا النص القرآني و هو الآيات ٤۷ إلى ٤۹ من هذه السورة: قال عز من قال : "وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ{٤۷} وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ{٤۸} بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ{٤۹}".
و كما تلاحظون – مستمعينا الأفاضل – فالنص القرآني واضح في أن المراد فيه ليس نفي معرفة سيد المرسلين – صلى الله عليه و آله – بالقراءة و الكتابة ، و إنما إتمام الحجة على الناس بأن ما جاء به من كتاب لم يكن بتعلم من الكتب السماوية السابقة و من كتابتها و النقل منها ، و إنما هم من عند الله عزوجل. وهذه الحقيقة يؤمن به أهل الكتاب من اليهود والنصارى قبل غيرهم لأنهم عرفوا ما في كتبهم السماوية السابقة و وجدوا أن ما جاء به سيد النبيين – صلى الله عليه و آله – غير ماعندهم و إن كان مصدقا لما فيه و ناسخا بعض ما فيها و مصححا البعض الآخر ، فلا بد أن يكون من عند الله عزوجل الذي أنزل الكتب السماوية السابقة.
و في الواقع فإن هذه الآيات جاءت في رد إتهام مشركي مكة للنبي الأكرم – صلى الله عليه و آله – بأن ما أنزل إليه إنما كتبه نقلا عن كتب اليهود و النصارى، و هذا ما أشارت إليه الآيات الأولى من سورة الفرقان و فيها تصريح بأن مشركي مكة كان يقرون بان النبي الأكرم – صلى الله عليه و آله – كان يحسن القراءة و الكتابة، نتدبر معا في الآيات الثالثة الى السادسة من سورة الفرقان : قال تبارك وتعالى "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً{٤} وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{٥} قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً{٦}". جاء في تفسير علي بن إبراهيم رضوان الله عليه في سبب نزول هذه الآيات أن النصر بن الحارث من مشركي قريش زعم أن هذا الذي يقرؤه رسول الله إنما يتعلمه من اليهود و يكتبه من علماء النصارى ، و يكتب ما يمليه رجل يدعى ابن قبيطة ، فحكى الله سبحانه قولهم و رد عليه .
إذن فهذه الآيات جاءت في رد مزاعم المشركين بأن الكتاب الذي جاء الحبيب المصطفى – صلى الله عليه و آله – إنما استنسخه مما أملاه عليه علماء اليهود و النصارى، و ليس فيها نفي معرفة القراءة و الكتابة عنه بل على العكس فيها إثبات لمعرفته – صلى الله عليه و آله – للقراءة و الكتابة ، روي في كتاب عيون أخبار الرضا – عليه السلام – ضمن مناظراته لعلماء الأديان أنه قال: "كذلك أمر محمد – صلى الله عليه و آله – و ما جاء به ، و أمر كل نبي بعثه الله ، و من آياته – صلى الله عليه و آله – أنه كان يتيما فقيرا واعيا أجيرا ، لم يتعلم كتابا و لم يختلف إلى معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء – عليهم السلام – و أخبارهم حرفا حرفا و أخبار من مضى و من بقي إلى يوم القيامة".
أيها الإخوة والأخوات ، و من حديث الإمام الرضا – عليه السلام – نستفيد المغزى الأساس و المهم لمعنى وصف النبي الخاتم بالأمي ، ففيه إشارة لطيفة إلى كونه – صلى الله عليه و آله – لم يتلق العلم لا من نبي سابق و لا من غيرنبي، فمعرفته بالقراءة و الكتابة هي كسائر علومه جاء بتعليم إلهي مباشر . و إلى هذا المعنى يشير مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – في الحديث المروي عنه في كتاب علل الشرائع ، فهو يعتبر صفة ( الأمي ) بأن من نعم الله عزوجل علي سيد النبيين – صلى الله عليه و آله – حيث قال –عليه السلام–: "كان مما من الله عزوجل علي نبيه – صلى الله عليه و آله –، أنه كان أميا لا يكتب و لا يقرأ الكتاب). فواضح أن المقصود من قوله لا يكتب ولا يقرأ الكتاب هو ما كان للتعلم من الآخرين أو من الكتب و لذلك قال الصادق – عليه السلام – في حديث آخر في كتاب علل الشرائع: "كان مما من الله عزوجل على رسول الله – صلى الله عليه و آله – أنه كان يقرأ و لا يكتب ، فلما توجه أبو سفيان إلى أحد كتب العباس إلى النبي فجاءه الكتاب و هو في بعض حيطان المدينة فقرأه و لم يخبر أصحابه و أمرهم أن يدخلوا المدينة فلما دخلوا المدينة أخبرهم). و هذا المعنى هو الذي استفاده الراغب الإصفهاني في معجم (المفردات في غريب القرآن) فذكره أحد معاني تفسير معنى (الأمي) في قوله عزوجل "النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ"، حيث قال رحمه الله: "قيل منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا .. و قيل سمي بذلك لأنه لم يكن يكتب و لا يقرأ من كتاب و ذلك فضيلة له – صلى الله عليه و آله – لاستغنائه بحفظه و اعتماده على ضمان الله بقوله عزوجل "سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى"(سورةالأعلى٦)، و قيل سمي بذلك لنسبته إلى أم القرى". و كما تلاحظون فليس في هذه الوجوه أية إشارة لما قيل بأن معنى (الأمي) أنه – صلى الله عليه و آله – لا يحسن القراءة و الكتابة، و هو قول الذين أرادوا الإساءة إلى النبي الأكرم – صلى الله عليه و آله – و لذلك لعنهم الإمام الباقر – عليه السلام – فقال في الحديث المروي عنه في علل الشرائع: "كذبوا لعنهم الله.. و الله لقد كان رسول الله – صلى الله عليه و آله – يقرأ و يكتب بإثنين و سبعين – أو قال بثلاث و سبعين – لسانا" و بهذا نصل أحباءنا حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا و أجوبة الثقلين) استمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران. شكرا لكم و في أمان الله.