البث المباشر

لماذا خص النبي الخاتم بأنه رحمة للعالمين؟

الأحد 10 مارس 2019 - 09:45 بتوقيت طهران

الحلقة 92

السلام عليكم مستمعينا الأفاضل و رحمة الله و بركاته؛
تحية طيبة نهديها لكم و نحن نلتقيكم بفضل الله في حلقة اليوم من هذا البرنامج و سؤال هذه الحلقة هو : لماذا خص الله عزوجل نبيه الخاتم بأنه رحمة للعالمين؟ و لماذا خص – صلى الله عليه و آله – بذلك من الأنبياء – عليهم السلام – أوليسوا هم جميعا رحمة للعالمين؟ و ما هو الدرس العملي الذي نستفيده من ذلك في حياتنا العملية ؟ نرجع إلى ثقلي الهداية الربانية بحثا عن الإجابة فكونوا معنا: 
قال الله تبارك و تعالى في الآية ۱۰۷ من سورة الأنبياء مخاطبا نبيه الأكرم – صلى الله عليه و آله – : "و ما أرسلناك رحمة للعالمين " و قد استخدمت الآية أقوى أدوات الحصر و هي (ما) النافية مشفوعة بـ (إلا) الإستثنائية و اجتماعها يفيد أن الهدف الأساس و الوحيد للبعثة النبوية هو إرسال الرحمة للعالمين . و قد روي عن رسول الله – صلى الله عليه و آله – التصريح بأن أصل وجوده هو رحمة حيث قال : ( إنما أنا رحمة مهداة ) . أما لماذا خص الله نبيه المصطفى – صلى الله عليه و آله – ، فيمكن أن نعرف أحد أوجه الجواب من الآية الكريمة نفسها ، فهي تصفه بأنه رحمة للعالمين جميعا لأنه المبعوث للعالمين جميعا و لكل الأمم و الأجيال إلى يوم القيامة ، و هذا ما لم يتحقق لغيره من الأنبياء – عليهم السلام – . روي في كتاب أمالي الطوسي مسندا عنه – صلى الله عليه و آله – أنه قال : "أعطيت خمسا لم يعطهن نبي كان قبلي ، أرسلت إلى الأبيض و الأسود و الأحمر ، و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا ، و نصرت بالرعب و أحلت لي الغنائم و لم تحل لنبي قبلي و أعطيت جوامع الكلم [يعني القرآن]".
و كما تلاحظون في الحديث الشريف المتقدم فإن مصاديق الرحمة الإلهية التي جاء بها نبي الرحمة – صلى الله عليه و آله – عامة تشمل الجميع أولا ، و ثانيا شاملة في التخفيف عن الخلق برفع الأغلال و الإصر عنهم و مجيئهم بكل مستلزمات الحياة الطبية . و هذا ما إشارت إليه الآية الكريمة رقم ۱٥۷ من سورة الأعراف التي تحدثنا عن دلالتها في حلقة سابقة من البرنامج ، و فيها أشارة إلى كمال الشريعة الخاتمة التي جاء بها و هي التي تحقق للبشرية أكمل صور السعادة و الفلاح في الدنيا و الآخرة . نكتفي هنا بالإستنارة بنص هذه الآية الكريمة : قال عز من قائل : "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (سورة الأعراف۱٥۷). و هذا المعنى مستمعينا الأفاضل هو الذي يشير إليه النبي الأكرم – صلى الله عليه و آله – في وصفه لشرعته (جئتكم بالسهلة السمحاء).
مستمينا الأفاضل ، و من مظاهر الرحمة التي اختص بها النبي الأكرم أن مبعثه صلى الله عليه و آله عوفي حتي الكفار من قانون الخسف و المسخ الذي كان يصيب الأمم السابقة ، و هذا هو الوجه يشير إليه مولانا أمير المؤمنين الإمام علي – عليه السلام – في حديث طويل أجاب فيه على شبهات بعض الزنادقة فعرض أولا شبهة الزنديق بقوله : ( و أما قوله عزوجل لنبيه – صلى الله عليه و آله – "و ما أرسلناك رحمة للعالمين" و أنك تري أهل الملل المخالفة للإيمان و ما يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية و أنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا به جميعا و نجوا من عذاب السعير ، فإن الله تبارك اسمه إنما عنى بذلك أنه جعله - صلى الله عليه و آله – سببا لإنظار أهل الدار ) . يعني – عليه السلام – دار الدنيا ، ثم بين تفصيل ذلك بقوله : "لأن الأنبياء قبله – صلى الله عليه و آله – بعثوا بالتصريح لا بالتعريض ، و كان النبي منهم إذا صدع بأمر الله و أجابه قومه سلموا و سلم أهل دارهم من سائر الخليقة ، و إن خالفوهم هلكوا و هلك أهل دارهم بالآفة التي كان نبيهم يتوعدهم بها و يخوفهم حلولها و نزولها بساحتهم من خسف أو قذف أو رجف أم ريح أو زلزلة و غير ذلك من أصناف العذاب الذي هلكت به الأمم الخالية"
و في تتمة كلامه يشير مولانا أمير المؤمنين – عليه السلام – إلى أن تحلي النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و كذلك أوصيائه بالدرجة العليا من الصبر هو الذي جعلهم رحمة الله الكبرى للعالمين و فتح باب الإمهال و الإنظار للكافرين ، قال – عليه السلام – : "إن الله علم من نبينا – صلى الله عليه و آله – و من الحجج في الأرض – يعني أوصياءه – الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله ، فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح ، و أثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه : من كنت مولاه فهذا علي مولاه و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".
ثم بين الإمام أمير المؤمنين – عليه السلام – هذا المثال بقوله في تتمة كلامه : (و ليس من خليقة النبي و لا شيمته أن يقول قولا لا معنى له ، فلزم الأمة أن تعلم أنه لما كانت النبوة و الأخوة في خلفه [يعني خلف موسى] هارون ، معدومتين فيمن جعله النبي – صلى الله عليه و آله – بمنزلته [أي بمنزلة هارون من موسى] ، لزم الأمة أن تعلم أنه استخلفه على أمته كما استخلف موسى هارون حيث قال : " اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي" و لو قال لهم: لا تقلدوا الإمامة إلا فلانا بعينه و إلا نزل بكم العذاب ، لأتاهم العذاب و زال باب الإنظار و الإمهال) .
مستمعينا الأفاضل ، و نخلص مما تقدم إلى أن الله عزوجل خص نبيه الأكرم – صلى الله عليه و آله – بكونه رحمته الكبرى للعالمين لما علمه من صبره و صبر أوصيائه على تحمل ما لا يطيقه غير حتى من الأنبياء السابقين – عليهم السلام – ، من أجل إيصال فيضه لعباده جميعا بأكمل صورة و إمهال حتى الكفار و المعاندين عسى أن يتوبوا إلى الله عزوجل فيجنبون أنفسهم عذابه الأليم . و في ذلك أعظم درس يعلمنا بعظمة حق النبي الأكرم و أهل بيته على البشرية جمعاء ؛ أعاننا الله و إياكم على أداء حقه – صلى الله عليه و آله – . و نشكر لكم طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا و أجوبة الثقلين) قدمناها لكم من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران دمتم بكل خير و في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة