السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
تحية مباركة طيبة نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من برنامجكم العقائدي هذا، نبحث فيه معاً عن إجابة سؤال وردنا عبر البريد الإلكتروني من الأخ الكريم حسين الصالح.
هذا السؤال يتعلق بعصمة الأنبياء – عليهم السلام – وهل أنهم معصومون؟
وإذا كانوا معصومين فكيف نفسر ما ذكره القرآن بشأن بعض الأنبياء في آيات ظاهرها يمكن أن يوحي بخلاف العصمة؛ وهل أن عصمة الأنبياء هي كعصمة أهل البيت عليهم السلام؟
ومثل هذه الأسئلة تتردد في أذهان الكثيرين، تثيرها روايات الإسرائيليات التي دخلت في التراث الإسلامي لتحرفه مثلما حرمت التوراة ونسبت إلى الأنبياء – عليهم السلام – ما عصمهم الله منه.
مستمعينا الأفاضل؛ في حلقة سابقة عرضنا إجابة القرآن الكريم عن السؤال الأول واتضح أن الآيات الكريمة تثبت عصمة الأنبياء – عليهم السلام – وأنهم من عباد الله المخلَصين، الذين آتاهم الله الحكمة التي تحجبهم عن القبائح وبرهانه الذي يريهم حقيقة المعاصي فينفرون منها وذلك جزاءً لإخلاصهم له.
وعلى أساس ما تثبته هذه المحكمات من الآيات الكريمة ينبغي أن نفهم الآيات المتشابهة التي يمكن أن يوحي ظاهرها بما تخالف العصمة وهذا ما بينه أئمة أهل البيت – عليهم السلام – في أحاديث عديدة نختار منها واحداً كنموذج يعيننا على الفهم الصحيح لعصمة الأنبياء – عليهم السلام -.
هذا النموذج رواه الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابي الأمالي وعيون أخبار الرضا – عليه السلام – عن أبي الصلت الهروي قال:
لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا – عليه السلام – أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين.. فلم يقم أحد إلا ألزمه – عليه السلام – حجته.. قام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له:
يا ابن رسول الله، أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال نعم، قال: فما تقول في قول الله عزوجل " وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى" (سورة طه۱۲۱) وفي قوله عزوجل "وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ" (سورة الأنبياء۸۷) وفي قوله عزوجل في يوسف " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا"(سورة يوسف ۲٤) وفي قوله عزوجل "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ" (سورة ص۲٤ ) وقوله تعالى في نبيه محمد – صلى الله عليه وآله – "وتخفي في نفسك ما الله مبديه"؟
أيها الإخوة والأخوات، بعد أن إستمع الإمام الرضا – عليه السلام – لكلام علي بن الجهم المنكر لعصمة الأنبياء – عليهم السلام – قدم للإجابة بالإشارة إلى القاعدة الكلية التي أشرنا وهي إرجاع متشابهات الآيات إلى محكماتها كما يأمر بذلك الله عزوجل في الآيات الأولى من سورة آل عمران مشيراً إلى أن الراسخين في العلم هم الذين يعلم بتأويلها عبر إرجاعها للمحكمات، وهذا ما فعله عليه السلام في الإجابة على هذه الموارد التي ذكرها إبن الجهم.
قال – عليه السلام - : "ويحك يا علي! إتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك، فإن الله عزوجل قد قال "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" (سورة آل عمران۷ ) وأما قوله عزوجل " وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى" (سورة طه۱۲۱) فإن الله عزوجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض، وعصمته يجب أن تكون في الأرض ليتم مقادير الله، فلما أهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقول الله عزوجل "إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ "(سورة آل عمران۳۳).
ثم بين مولانا الإمام الرضا – عليه السلام – معنى قوله عزوجل "فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ" الوارد في قصة يونس – عليه السلام – مشيراً إلى أنه لا يعني ما فهمه منكر عصمة الأنبياء من الظن بخروجه عن القدرة الإلهية.
قال – عليه السلام - : "إنما ظن بمعنى إستيقن أن الله لن يضيق عليه رزقه، ألا تسمع إلى قول الله عزوجل: "وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه" أي ضيق عليه رزقه؛ ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.
وأما قوله عزوجل في يوسف (ولقد همت به وهم بها) فإنها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله عزوجل "كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء" (سورة يوسف۲٤) يعني القتل والزنا.
وفي جانب آخر من جوابه رد مولانا الإمام الرضا – عليه السلام – ما روي في الإسرائيليات في فتنة داوود وأنه ترتبط بزوجة قائده أوريا التي طمع بها حسبما يزعمون، ثم قال – عليه السلام – ما ملخصه؛ "ويحك إن داوود إنما ظن أن ما خلق الله عزوجل خلقاً أعلم منه، فبعث الله بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب".
ثم بين – عليه السلام – أن داوود لم يرتكب معصية في حكمه وإنما أراد الله تأديبه بلزوم رعاية شكل وصورة الحكم وآدابه بالكامل وإن علم بالمحق منذ البداية.
قال – عليه السلام - : "فجعل داوود على المدعى عليه فقال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه.. فيقول له: ما تقول، فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع الله عزوجل "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"" (سورة ص۲٦)
مسمتعينا الأفاضل، أما جوابه – عليه السلام – عن الآية المتعلقة بالنبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – فنوكل الحديث عنه إلى الحلقات الخاصة بعصمة سيد المرسلين – صلى الله عليه وآله - ، وكذلك الحال مع سؤال الأخ حسين الصالح عن عصمة الأنبياء وهل هي كعصمة أهل البيت – عليهم السلام – مكتفين هنا بالإشارة إلى أن صريح الآيات الكريمة كآية التطهير وكذلك الأحاديث الشريفة تصرح بأن آل محمد – صلى الله عليه وآله – لا يقاس بهم أحد في سمو مراتبهم وقربهم من الله عزوجل.
وبهذه الملاحظة ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إٍستمعتم له من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم في أمان الله.