السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته.
أطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج العقائدي نتناول فيه سؤالاً وردنا عبر البريد الإلكتروني من الأخ حسين صالح ومضمونه هو:
هل الأنبياء معصومون؟ وإذا كانوا معصومين فكيف يقول نبي الله موسى – عليه السلام – أنا أعلم الناس ثم يوحي له الله بخلاف ذلك ويدله على الخضر؟ وكذلك الحال مع نبي الله يونس – عليه السلام – وهل عصمة الأنبياء أقوى أم عصمة أهل البيت عليهم السلام؟
في الحقيقة هذه الأسئلة نموذج لكثير من الأسئلة المماثلة التي تدور في أذهان الكثيرين، نرجع إلى ثقلي الهداية للإجابة عنها، فتابعونا على بركة الله.
عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجده يصرح بأن الشيطان لا يستطيع أن يغوي عباد الله المخلَصين فهؤلاء لا يمكن أن يقعوا في المعصية بإغواء الشيطان، كما تشير لذلك الآيتان ۸۲ و ۸۳ من سورة "ص" حكاية عن قول الشيطان بعد أن طرده الله عزوجل جاء فيهما؛
"قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{۸۲} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{۸۳} قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ{۸٤}"
وتصف الآيات الكريمة في مواطن عدة الأنبياء بأنهم من المخلَصين، فمثلاً قال تبارك وتعالى في الآية ۲٤ من سورة يوسف:
"....كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ"
وقال في الآية ٥۱ من سورة مريم عن كليمه موسى – عليه السلام-:
"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً"
إذن فالأنبياء – عليهم السلام – من المخلَصين الذين لا يستطيع الشيطان غوايتهم وإيقاعهم في معصية الله عزوجل، كما أن القرآن يصرح بأنهم لا يقولون على الله وعنه تبارك وتعالى إلا الحق، فهم معصومون في هذا الجانب أيضاً، قال الله عزوجل في الآيتين ۱٥۹و۱٦۰ من سورة الصافات؛
"سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ{۱٥۹} إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ{۱٦۰}"
مستمعينا الأفاضل، لقد ذكر علماء اللغة والتفسير أن المخلَص هو من الخلوص ونقاء الذات وصفاؤها ذاتاً، وهو ثمرة الإخلاص لله الذي يجعل المخلِص يخطى بالتأييد والعصمة الإلهية فيصر مخلَصاً.
وهذا ما تشير إليه الآيات الكريمة ٤٥ إلى ٤۷ من سورة "ص" حيث يشير الله تبارك وتعالى إلى أن ذكر الأنبياء – عليهم السلام – للدار الآخرة بما يعنيه من التوجه إلى الله والإخلاص له جل جلاله أثمر إصفاء الله للنبوة وعصمتهم.
قال تبارك وتعالى: "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ{٤٥} إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ{٤٦} وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ{٤۷}".
وإلى هذا المعنى يشير مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – في بيانه للبرهان الإلهي الذي رآه يوسف – عليه السلام – فيذكر إلى جانبه الحكمة الصارفة عن القبائح لعله لصرف المعصية عنه.
جاء في تفسير مجمع البيان للعلامة الطبرسي قال: عن الصادق – عليه السلام – قال: البرهان هو النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش والحكمة الصارفة عن القبائح.
وهذا يعني أن النبوة بحد ذاتها تمثل عصمة الأنبياء – عليهم السلام – عن الفواحش والمعاصي لإشتمالها على الحكمة التي تنير بصيرة الإنسان فتجعله يرى حقيقة كل قبيح فينفر عنه ويجتنبه؛ كما يبين ذلك الإمام الصادق – عليه السلام - في الحديث المتقدم.
وقد صرحت كثير من الآيات الكريمة أن الله عزوجل آتى أنبياءه هذه الحكمة العاصمة وهي الخير الكثير كما وصفها، فمثلاً قال عزوجل في الآية ۸۱ من سورة آل عمران "وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ"
إذن فالقرآن الكريم يصرح بوضوح بعصمة الأنبياء – عليهم السلام – باستعداد ذاتي يتصل في إخلاصهم لله عزوجل، وبتأييد إلهي يتمثل بتعريفهم بحقائق الأشياء فيرون قبح المعاصي فيتورعون منه إخلاصاً لله وذكرى للآخرة ويوم الحساب.
وهذا هو المستفاد من محكمات الآيات القرآنية وعلى أساسها ينبغي أن تفهم الآيات المتشابهة نظير ما ورد في قصة يونس أو الرواية التي أشار إليها الأخ حسين الصالح، صاحب سؤال هذه الحلقة بشأن نبي الله موسى – عليه السلام –؛ فينبغي أن نفهم تلك الآيات المتشابهة على أساس إجتناب الأنبياء الذاتي للقبائح وعصمة الله التأييدية لهم في تعريفهم بمصاديق القبائح لكي يجتنبوها.
وسنعرض بعون الله عزوجل لمصاديق إيضاحية في تطبيق هذه القاعدة في الحلقة المقبلة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) ولكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص الدعوات ودمتم بألف خير.