والنبي الأعظم (ص) بإجماع المسلمين شيعةً وسنة بلّغ رسالته كلها بأمانة (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يعصمك من الناس) ولم يقصّر في ذلك مطلقاً، ولم يكن في كلامه شيء زائد يستحق أن يهمل.
هذا الرسول (ص) عاش 10سنوات في مكة مضطهَداً متكتماً، ولكنه عندما هاجر إلى المدينة واقام بها10 أعوام كان مطاعاً مكرماً فاستطاع تأسيس [مسجد النبي ص]وإقامة صلاة الجمعة والجماعة، وكان يعقد صلاة الجمعة بإمامته (غالباً) مادام حيا ،كما ورد في سورة الجمعة {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّه}.
ونعرف أن في كل شهر 4 جُمع وفي كل سنة 12شهراً ولو أردنا أن نعرف عدد أسابيع السنة الميلادية فهي52.177 وبما أن السنة الهجرية تقل عن أيام السنة الميلادية بـ11يوما تقريبا فإن عدد أسابيع السنة الهجرية يبلغ واحداً و خمسين (51) أسبوعاً اي ثمة 51جمعة في كل عام هجري.
ولو تنزّلنا واعتبرنا العدد بلا كسور 50 جمعة فإن المسلمين ائتموا بالنبي (ص) 50 جمعة في كل عام، وفي كل صلاة جمعة خطبتان، فيكون عدد خطب النبي (ص) في العام 100 خطبة تقريبا، وخلال الأعوام العشرة لإقامة النبي بالمدينة يبلغ عددها 1000 خطبة جمعة، يضاف لها خطب العيدين [الفطر والاضحى] التي نطق بها لسان النبي الاكرم (ص)؛ هذا اللسان المنزّه الصادق الطاهر الناصح الهادي إلى سبيل الرشاد.
فلماذا لا نكاد نجد في كتب الروايات والسِيَر النبوية والصحاح و الموسوعات وجوامع الحديث النبوي ولو نصف هذا العدد من خطب النبي (ص)؟ بل لا نجد حتى عُشرها، لماذا؟ وهو القائل (قَيّدوا العِلْمَ بالكتاب) رواه الخطيب في تاريخ بغداد.
هل يعقل أن ينهى شخص واحد كل المسلمين المعاصرين للرسول (ص) عن تدوين رواياته وخطبه فيمتثلون له؟ ويخشون بطشه؟ مهما كان هذا الشخص.
حقاً؛ أليست هذه خسارة كبرى للعالم الإسلامي وأمة محمد (ص) لأنهم لم يوثِّقوا ما قاله هذا المرشد الاكبر والمصلح الأعظم الذي بعثه الله {رَسُولا مِّنهُم يتلُوا عَلَيهِم ءَايَـٰاتِهِۦ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلكِتَـٰابَ وَٱلحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلَال مُّبِين﴾ [الجمعة/٢]؟ بل هي خسارة كبرى للبشرية.
لاشك ولا ريب أننا خسرنا - بعدم وصول الألف خطبة نبوية إلينا- إضاءات النبي (ص) وارشاداته القيمة وتعاليمه السامية وعلومه النافعة ومكارم أخلاقه الفذة الواردة ضمن أكثر من 1000خطبة؛ لم تُكتَب، ولم تصلنا منها سوى خطبة الوداع و خطبة غدير خم (وربما كانتا خطبة واحدة).
أقولها بقوة وإصرار: كان على الرجال والنساء حول الرسول (ص) ومعاصريه أن يهتموا ويبذلوا كل ما في وسعهم وغاية ما في طاقتهم لكي يسجلوا للأجيال كلها كلام الرسول (ص) الذي يستحق أن يُكتب بحروف من نور فيضيء للبشرية مسيرتها على مَرّ العصور، وتَعاقُب الدهور، جيلاً بعد جيل. وللحديث صلة، لاحقاً.
د.رعد هادي جبارة / الأمين العام للمجمع القرآني الدولي