السلام عليكم أعزائنا المستمعين، تحية طيبة مباركة نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من برنامجكم العقائدي هذا...
السؤال الذي نتناوله في اللقاء هو: (ما معنى توحيد الله في الخالقية) وبعبارة أخرى: كيف نعتقد بأن الله خالق كل شيء، في حين أننا نرى الناس يخلقون أشياءً ونقرأ في القرآن أن الله أحسن الخالقين، فالقرآن يثبت وجود خالقين آخرين، لكنه يصرح بأن الله أحسنهم، فكيف ينسجم هذا مع التوحيد في الخالقية؟
الإجابة عن هذا السؤال بفروعه المتقدمة، نلتمسها معاً من مناري الهدى الإلهي ومعجزتي النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله -، كتاب الله وعترة نبيه، تابعونا على بركة الله.
أيها الإخوة والأخوات، معنى التوحيد في الخالقية على نحو الإجمال هو أن الله عزوجل هو وحده خالق كل شيء دون احتياج لغيره، فهو عزوجل مبدأ وأصل كل شكل من أشكال الخلق.
وهذا ما تصرح به آيات كثيرة كقوله عزوجل في الآية (۱٦) من سورة الرعد؛ "... قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ".
وقوله عز من قائل في الآية ۱۰۲ من سورة الأنعام؛ " ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ".
وكذلك قوله جل إسمه في الآية الثالثة من سورة فاطر؛ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ".
وقد مهد عزوجل لبيان توحيد الخالقية في الآية المتقدمة بالآية الثانية من السورة نفسها قائلاً "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".
إذن مستمعينا الأفاضل، فإن هذه الآيات الكريمة ونظائرها كثيرة في كتاب الله المجيد، تصرح بوضوح أن الله هو خالق كل شيء، فيجب أن نوحد الله عزوجل في الخلق ونعلم أن كل مخلوق يرجع الفضل في خلقه إليه تبارك وتعالى.
إذ أنه جل جلاله، هو وحده الذي إن أرسل رحمة فلا يستطيع أحد منعها وإذ أمسك رحمة لم يستطع أحد أن ينشرها كما تقدم، وعليه تكون كل عملية خلق منه وبإذنه وهو مصدرها؛ ولكن هل يمنع ذلك من وجود خالقين غيره تبارك وتعالى؟
نعود مرة ثانية، أعزاءنا المستمعين، إلى القرآن الكريم فنقرأ في الآية التاسعة والأربعين من سورة آل عمران في قصة عيسى عليه السلام:
" وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ".
ونقرأ في الآيتين (۷۱ و۷۲) من سورة (ص): " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ{۷۱} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ{۷۲}".
وقال عز من قائل في سورة المؤمنون بعد ذكر مراحل خلق الإنسان "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ".
مستمعينا الأفاضل، ومن التدبر في هذه الآيات الكريمة ونظائرها تتضح الإجابة عن السؤال المتقدم.
فيتضح أولاً أن الإيمان بتوحيد الله في الخالقية لا يعني نفي نظام الأسباب، إذ الله عزوجل أجرى أمور الخلق بأسباب تشترك في نظام الخلق الطبيعي، كما تشير لذلك آيات سورة المؤمنون.
فالإبن مخلوق لوالديه ضمن هذا النظام الطبيعي ولكن مبدأ الأسباب التي تشترك في عملية الخلق هو الله، جلت قدرته، فهو خالق كل شيء، أي الأسباب وما تخلقه الأسباب.
هذا في نظام الأسباب الظاهرية الطبيعية، أما في عمليات الخلق الإعجازي، كما في خلق عيسى عليه السلام للطير، فالآيات تصرح بأن الخلق هنا بإذن الله، فالله هو الذي أجرى قدرته على الخلق في نفخة عيسى – على نبيه وآله وعليه السلام -.
فالله إذن هو وحده خالق كل شيء تبارك وتعالى رب العالمين.
وبهذا ننهي أعزاءنا لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعاية سالمين.