السلام عليكم أحبتنا ورحمة الله وبركاته. طابت أوقاتكم بكل ما تحبون ويحبه الله لكم ويرضاه وأهلا بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج سؤالنا فيها هو: ما هي العلاقة بين معرفة الإنسان نفسه ومعرفته لله عزوجل ؟
وهذا هو الطريق الثاني الذي هدتنا النصوص الشريفة إليه كأحد طرق معرفة الله نرجع إليها لمعرفة جواب السؤاب المتقدم، فتابعونا علي بركة الله.
نبدأ أيها الأطائب بكتاب الله المجيد فنجد فيه آيات عدة تهدينا إلي طريق معرفة الله عزوجل من خلال معرفة النفس. منها قوله عزوجل في الآية الثامنة من سورة الروم "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ" . وقوله عز من قائل في الآيات ۲۰ إلي ۲۳ من سورة الذاريات "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ [٥١:٢٠] وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [٥١:٢١] وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [٥١:٢٢] فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ" . وقال جل جلاله في الآية ۲۱ من سورة البقرة "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" . وقال تبارك وتعالي في الآية ٥۳ من سورة فصلت "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"
أول ما نستفيده من هذه الآيات الكريمة ونظائرها إلي أن التفكر في النفس وشؤونها يعرفنا بأن لنا خالقا ورازقا يجب علينا أن نعبده – كما نستفيد منها – أيها الأفاضل، أن الآيات الدالة علي معرفة الله في نفس الإنسان كثيرة متوالية الظهور توصل الإنسان إلي اليقين الشهودي بأن الله عزوجل هو الحق المبين.
وهذا يعني أن لمعرفة النفس درجات ومراتب توصل كل منها إلي درجة تناسبها من معرفة الله عزوجل، قال رسول الله – صلي الله عليه وآله –: "أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه"
وأولي درجات معرفة النفس إدراك أنها مخلوقة فلابد من خالق لها، وفي هذه المرتبة تشترك النفس مع سائر المخلوقات للإنسان نفسه، كما سنري في الأحاديث الشريفة التالية فتابعونا علي مشكورين.
روي في كتاب روضة الواعظين أن رجلا سأل الإمام الرضا – عليه السلام – فقال: ما الدليل علي حدوث العالم ؟ يعني ما الدليل علي كونه مخلوقا يحتاج إلي خالق. أجاب – عليه السلام – قائلا: [الدليل علي ذلك]
( أنت، لم تكن ثم كنت، وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك ). وروي الشيخ الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا ضمن حديث طويل له في التوحيد، قال – عليه السلام –:"لما نظرت إلي جسدي فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه و جر المنفعة إليه، علمت إن لهذا البنيان بانيا فأقررت به"
وهذا الدليل يفصل الحديث عنه تلميذ الإمام الصادق – عليه السلام – العبد الصالح هشام بن الحكم رضوان الله عليه فيما رواه عنه الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد، أنه قال: إن سأل سائل فقال: بم عرفت ربك ؟ قلت عرفت الله جل جلاله بنفسي لأنها أقرب الأشياء إلي. ثم بين هذا الدليل بقوله: وذلك أني أجدها أبعاضا ومجتمعة وأجزاء مؤتلفة ظاهرة التركيب متينة الصنعة، مبنية علي ضروب من التخطيط والتصوير زائدة من بعد نقصان، وناقصة من بعد زيادة، قد أنشأ لها حواس مختلفة وجوارح متباينة من بصر وسمع وشام وذائق ولامس، مجبولة علي الضعف والنقص لا تدرك واحدة منها مدرك صاحبتها ولا تقوي علي ذلك...
وختم هشام بن الحكيم استدلاله هذا بقوله رضوان الله عليه: واستحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له، وثبات صورة لا مصور لها، فعلمت أن لها خالقا خلقها، ومصورا صورها مخالفا لها علي جميع جهاتها، قال الله عزوجل "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ"
مستمعينا الأفاضل، وتستمر درجات معرفة الله الحاصلة من معرفة النفس في سيرها التكاملي مع تعمق الإنسان في معرفة نفسه وطاقاتها وخصوصياتها وكلها تدل علي عظمة خالقها وجميل تدبيره لشؤونها وسائر صفاتها العليا من القدرة والحياة والعلم والرحمة وغيرها.
وبهذه الإشارة نختم أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران لقاء اليوم من برنامجكم ( أسئلتنا وأجوبة الثقلين )
نشكر لكم جميل الإصغاء ودمتم في رعاية الله.