السلام عليكم أيها الأكارم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وأهلا بكم في حلقة اليوم من هذا الرنامج وسؤالنا فيها هو: ما هي مميزات العرفان الفطري أو معرفة الله بالفطرة؟ فقد علمنا في الحلقة السابقة أن من طرق معرفة الله عزوجل هو طريق الفطرة إذ أن الله عزوجل أودع معرفته في فطرة خلقه أي فطرهم علي معرفته، فما هي مميزات هذا النوع من المعرفة؟
تابعونا أعزائنا ونحن نسعي للحصول علي الإجابة.
أيها الأفاضل، إن من أهم مميزات معرفة الله عزوجل بالفطرة هي أنها معرفة إلهامية وجدانية يستشعر فيها الإنسان لطف الله به من خلال استشعار ربوبيته له فينبري إلي حمده تبارك وتعالي.
وهذا ما يشير إليه مولانا أمير المؤمنين في مطلع إحدي خطب نهج البلاغة حيث يقول: (الحمد لله الملهم عباده حمده وفاطرهم علي معرفة ربوبيته).
وفي حديث آخر يفصل مولانا مولي الموحدين – عليه السلام – هذه الخصوصية لمعرفة الله بالفطرة من خلال بيان بعض مصاديقها التي تبعث في الإنسان حب الله وحمده.
روي الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد مسندا عن الإمام الباقر عن أبيه زين العابدين عن جده الإمام الحسين – عليهم السلام – قال: إن رجلا قام إلي أمير المؤمنين – عليه السلام – فقال: يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك؟ أجاب – عليه السلام –: ( بفسخ العزائم ونقض الهمم، لما هممت فحيل بيني وبين همي وعزمت فخالف القضاء عزمي علمت أن المدبر غيري ).
وهذا مستمعينا الأفاضل إشارة إلي أن الإنسان يستشعر بفطرته أن التدبير الإلهي والقضاء الذي يخالف ما يهم به الإنسان ويعزم عليه هو في صالح الإنسان نفسه ودفعا للسوء هنا لأنه لا يعلم بعواقب الأمور، وهذا ما التفت إليه السائل كما يظهر من سؤاله اللاحق.
أجل، فقد جاء في تتمة الرواية: قال الرجل: يا أمير المؤمنين، فبماذا شكرت نعمائه؟ أجاب – عليه السلام –: نظرت إلي بلاء قد صرفه عني وأبلي به غيري فعلمت أنه أنعم علي فشكرته.
وهنا التفت السائل إلي أثر هذه المعرفة الوجدانية في بعث محبة الإنسان لله عزوجل فسأل الإمام مولي الموحدين – عليه السلام – قائلا: فلماذا أحببت لقاءه؟ أجاب – عليه السلام – قائلا: لما رأيته اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه، علمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقاءه.
أيها الأحبة، هنا نلفت انتباهكم أن في الحديث المتقدم ينبهنا الإمام المرتضي – عليه السلام – إلي سبل تنمية وبعث هذه المعرفة الفطرية الإلهامية من خلال حسن التفكر في أصولها التي يحسها الإنسان وجدانيا فبذلك يصل الإنسان إلي مرتبة سامية من اليقين بجميل صنع ربه المدبر لأمره له، وهذا ما نشهده في الرواية التالية وهي تحكي موقفا لأحد شيعة مولي الموحدين – عليه السلام – استلهم هذه المعرفة الفطرية من كلام مولاه المتقدم ونماها في نفسه.
الرواية نقلها عدة من حفاظ أهل السنة ورد ذكرهم في الجزء التاسع من كتاب شرح إحقاق الحق. وجاء فيها: روي أبو نعيم وابن بشكوال عن سفيان الثوري قال: بينما أنا حاج إذ دخل علي شاب لا يرفع قدما ولا يضع أخري إلا وهو يقول: اللهم صل علي محمد وآل محمد، فقلت له: أبعلم تقول هذا؟ أجاب الشاب: نعم، ثم قال من أنت؟ قلت: سفيان الثوري، قال: هل عرفت الله، قلت نعم، قال بم عرفته؟ وهنا أجاب سفيان الثوري مبينا أنه عرفه بآثاره، فأجابه الشاب بكلام أمير المؤمنين – عليه السلام – عن المعرفة الفطرية مشيرا إلي مميزاتها. قال سفيان: قلت عرفته بأنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويصور الولد في الرحم. فقال الشاب: يا سفيان ما عرفت الله حق معرفته. فسأله كيف تعرفه أنت؟ قال بفسخ العزائم والهمم ونقض العزيمة، هممت همتي وعزمت فنقض عزمي فعلمت أن لي ربا يدبرني. فسأله سفيان: فما صلاتك علي النبي؟ أجاب: كنت حاجا ومع والدتي، فسألتني أن أدخلها البيت، ففعلت فوقعت وتورم بطنها واسود وجهها، فجلست عندها وأنا حزين فرفعت يدي نحو السماء وقلت: يارب هكذا تفعل بمن دخل بيتك، فإذا بغمامة قد ارتفعت من قبل تهامة، وإذا برجل عليه ثياب بيض فدخل البيت وأمر يده علي وجهها فابيض وعلي بطنها فسكن المرض، ثم مضي ليخرج فتعلقت بثوبه وقلت: من أنت الذي فرجت عني؟ أجاب: أنا نبيك محمد، قلت يارسول الله فأوصني، قال: لا ترفع قدما ولا تضع أخري إلا وأنت تصلي علي محمد وآل محمد.
اللهم صل علي محمد وآل محمد، مستمعينا الأفاضل، إذن فأهم ما يميز المعرفة الفطرية بالله أنها تجعل العبد أشد التصاقا بربه مستشعرا للطفه حامدا نعماءه.
وبهذه النتيجة ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) استمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران.
تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته سالمين.