بسم الله الرحمن الرحيم
سلام من الله عليكم أيها الإخوة الأكارم ورحمة الله وبركاته
تحية مباركة طيبة نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج والسؤال الذي نتناوله فيه هو عن «الطريق إلي معرفة الله عزّ وجل» وبالتالي عبادته والنصوص الشريفة تبين لنا أن ثمة طرقا عدة لمعرفة الله، منها طريق الفطرة أو العرفان الفطري. إذن فسؤال هذه الحلقة أصبح الآن هو: كيف نعرف الله بالفطرة؟ وما هو العرفان الفطري؟ للحصول علي الإجابة تابعونا علي بركة الله.
نتدبر معا أيها الأحبة في الآية الثلاثين من سورة الروم المباركة حيث يقول جل جلاله: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».
وروي في كتاب المحاسن عن مولانا الإمام الباقر – عليه السلام – قال في تفسير هذه الآية الكريمة: (قال رسول الله – صلي الله عليه وآله –: كل مولود يولد علي الفطرة يعني علي المعرفة بأن الله عزّ وجل خالقه، وكذلك قوله «وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ»(. وفي الكتاب نفسه أن زرارة بن أعين سأل الإمام الباقر(عليه السلام) عن آية الفطرة ذاتها فقال (فطرهم علي معرفة أنه ربهم ولولا ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ولا من رازقهم).
وفي كتاب الكافي عن زرارة أيضا أنه سأل مولانا الباقر(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل «حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ» فقال:(الحنيفية من الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، قال: فطرهم علي المعرفة به). وروي الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد عن الإمام الباقر – عليه السلام – أنه قال في معني هذه الآية: (فطرهم علي التوحيد عند الميثاق علي معرفة أنه ربهم.. لولا ذلك لم يعلموا من ربهم و لا من رازقهم).
إذن مستمعينا الأحبة، نفهم من النصوص المتقدمة أن معرفة الله بكونه خالق الإنسان ورازقه وربه قد جعلها الله في فطرته أي في أصل خلقته، فهو يعرف الله بذلك فطريا بعهد إلهي جاء مع بدء الخلق. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في الآية ۱۷۲ من سورة الأعراف المباركة، حيث يقول عزّ من قائل: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ». قال مولانا الإمام الباقر – عليه السلام – في تفسير هذه الآية الكريمة كما روي عنه في تفسير العياشي وغيره: (أخرج الله من ظهر آدم ذريته إلي يوم القيامة وخرجوا وهم كالذرّ فعرّفهم نفسه وأراهم نفسه ولولا ذلك ما عرف أحد ربه). وقال عليه السلام: (ثبتت المعرفة [يعني الفطرة] ونسوا الموقف وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه).
مستمعينا الأفاضل ومن أبرز موارد ظهور هذه المعرفة الفطرية هو فقدان الإنسان للأسباب الطبيعية التي يتّكل عليها فتنسيه مسبب الأسباب جلّ جلاله – قال إمامنا العسكري عليه السلام كما في بحار الأنوار: (الله هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من هو دونه، وتقطع الأسباب من جميع ما سواه).
وإلي هذا المعني يشير مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) في الحديث المروي عنه في ربيع الأبرار وتفسير البرهان وغيره. فقد جاء رجل وقال له: يابن رسول الله، دلني علي الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني ولاتذكر لي العالم والعرض والجوهر. فأجابه عليه السلام: يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم، فقال: فهل عصفت بكم الريح وكسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال الرجل: نعم، فقال الصادق (عليه السلام): فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك، وتعلق قلبك أن شيئا من الأشياء قادر علي أن يخلصك من ورطتك؟ قال الرجل: نعم، فقال الامام الصادق: فذاك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي وعلي الإغاثة حيث لا مغيث، ذاك هو الله، قال الله «ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ» و«إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ».
مستمعينا الأفاضل، أما النتيجة التي نحصل عليها من النصوص المتقدمة، فهي أن معرفة الله عزّ وجل عن طريق الفطرة التي فطرنا الله عليها تتحقق بتجاوز الأسباب الظاهرية والرجوع إلي القلب وما أودعه الله فيه من الشعور الوجداني بوجود خالق له يرزقه ويدبر أمره.
ولهذا الجواب بيانات أخري في نصوص مناري الهداية نتطرق لها بإذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم(أسئلتنا وأجوبة الثقلين)، من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، نستودعكم الله بكل خير ودمتم في أمان الله. الى اللقاء.