بسم الله الرحمن الرحيم
سلام من الله عليكم أيها الأحبة ورحمة الله وبركاته.
تحية مباركة نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نسعى فيها معاً للتدبر في نصوص مناري الهداية الربانية للحصول على الإجابة الشافية عن سؤال يتردد في أذهان الكثيرين هو؛ ما معنى (معرفة الله حق معرفته؟) وهل يمكن معرفة الله عزّ وجل حق معرفته؟).
نتوجه معاً إلى نصوص الثقلين، فتابعونا على بركة الله.
مستمعينا الأفاضل، تناول القرآن الكريم هذا الموضوع بصورة مباشرة في مورد واحد هو قوله تبارك وتعالى في الآية الحادية والتسعين من سورة الأنعام؛ «وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ».
وقد فسّر المفسرون الآية بأنها تعني: ما عرفوه حق معرفته في الرحمة والإنعام على العباد.
جاء في كتاب فقه الرضا قوله(عليه السلام): (إن أول ما افترض الله على عباده وأوجب على خلقه معرفة الوحدانية، قال الله تبارك وتعالى:«وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» [يعني] يقول: ما عرفوا الله حق معرفته).
ثم قال (عليه السلام): (وأروي [يعني عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله] أن المعرفة [هي] التصديق والتسليم والإخلاص في السر والعلانية، وأروي أن حق معرفته أن تطيع ولاتعصي وتشكر ولاتكفر).
وروي في كتاب الأصول من الكافي عن الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق(عليهما السلام) في معنى قوله عزّ وجل: «وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» قالا: إن الله لايوصف، وكيف يوصف وقد قال في كتابه «وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» فلايوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك.
وفي الكافي أيضاً عن مولانا الصادق(عليه السلام) قال: (إن الله عزّ وجل لايقدّر أحد قدره).
وفي كتاب التوحيد روى الشيخ الصدوق حديثاً طويلاً للإمام الرضا(عليه السلام) أجاب فيه على أسئلة المأمون العباسي وجاء في جانب منه أن قوم موسى قالوا له: إنك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته.
فقال موسى(عليه السلام): يا قوم! إن الله لايرى بالأبصار ولا كيفية له وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه.
مستمعينا الأفاضل، نفهم من النصوص الشريفة المتقدمة أن أحد معاني معرفة الله حق معرفته، هو معرفته بواقع ما هو عليه من العظمة والقدرة والحياة والعلم وغيرها من صفاته العليا.
وهذا المعنى محال لايمكن أن يحصل لأحد من المخلوقات لأن الله الخالق مطلق لا حد له والمخلوق محدود، فلايمكن للمحدود أن يعرف المطلق حق المعرفة بمعنى الإحاطة العلمية بعظمته.
فكلما تصور مرتبة من عظمته كان الله أعظم منها، وهذا هو المعنى الذي تتضمنه كلمة التكبير(الله أكبر) وهي شعار التوحيد الإسلامي.
وعليه يكون المعنى هنا معرفة كنه الله عزّ وجل بحق المعرفة وهذا ما صرّحت النصوص الشريفة بأنه لايتيسر لأحد من الخلق.
روي في كتاب عوالي اللآلي لإبن أبي جمهور الإحسائي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لو عرفتم الله حق معرفته لزايلت بدعائكم الجبال الراسيات، ولايبلغ أحد كنه معرفته).
فقيل له: ولا أنت يا رسول الله؟ قال(صلى الله عليه وآله): ولا أنا، الله أعلى وأجل أن يطّلع على كنه معرفته.
قال ابن أبي جمهور معلقاً على هذا الحديث: ولهذا قال (صلى الله عليه وآله) في دعائه (يا من لايعلم ما هو إلا هو)، وقال: (سبحانك ما عرفناك حق معرفتك).
أيها الإخوة والأخوات، ولكن عندما نتدبر في الحديث النبوي المتقدم نجد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) يثبّت في الشطر الأول منه تحقق معنى لمعرفة الله حق معرفته يحصل لأولياء الله الصالحين.
وهذا المعنى هو الذي يدعو(صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمنين للحصول عليه في حديث آخر يقول فيه:
لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحور ولزالت بدعائكم الجبال.
وهذا المعنى هو بلا شك غير معرفة الله بكنه معرفته الذي عرفنا كونه محالاً.
وقد وردت في الأحاديث الشريفة كثير من التأكيدات على المؤمنين للحصول عليه؛ وهو يعني معرفة الله بالمعرفة الصحيحة الخالية من التشبيه والتحديد ونظائرهما، وهو ما سنتناوله بالتفصيل، إن شاء الله، في الحلقة المقبلة من برنامجكم(أسئلتنا وأجوبة الثقلين) فكونوا معنا.
والى حينها نستودعكم الله ونشكر لكم طيب الإستماع لإذاعتكم إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
دمتم بكل خير وفي أمان الله.