بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج.
سؤالنا فيه عن «أهمية معرفة الله في حياة الإنسان».
الإجابة الإجمالية عنه واضحة من كثرة النصوص الشريفة التي تدعو الناس إلى معرفة الله عزّ وجل وقد نقلنا بعضها من القرآن والسنة في حلقات سابقة، لذا ننطلق في هذا اللقاء إلى الإجابة التفصيلية، فتابعونا على بركة الله.
تؤكد النصوص الشريفة أن معرفة الله عزّ وجل هي رأس العلم النافع، أي أن بها يكون العلم النافع نافعاً حقاً وإلا كان الجسد الذي قطع رأسه ففقد الحياة.
روى الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد بسنده عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله علمني من غرائب العلم.
فقال (صلى الله عليه وآله): ما صنعت في رأس العلم حتى تسأل عن غرائبه؟
قال الرجل: ما رأس العلم يا رسول الله؟
أجاب (صلى الله عليه وآله): معرفة الله حق معرفته.
فسأل الأعرابي: وما معرفة الله حق معرفته؟
فأجاب (صلى الله عليه وآله): تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ند وأنه واحد أحد ظاهر باطن أول آخر لا كفو له ولا نظير، فذلك حق معرفته.
وهذا المعنى النبوي يلخصه مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال كما روي عنه في كتاب غرر الحكم: (التوحيد حياة النفس).
مستمعينا الكرام معرفة الله، هي مفتاح عبادته الصادقة التي هي الغاية من خلق الجن والإنس كما صرحت بذلك الآية ٥٦ من سورة الذاريات، حيث قال جلّ جلاله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
روى الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد ضمن حديث أن بني هاشم قالوا لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا الحسن إصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله عليه، أي طلبوا منه المنهج الصحيح لعبادة الله جلّ جلاله.
جاء في الرواية؛ فصعد عليه السلام المنبر، وقعد ملياً لايتكلم مطرقاً – أشار الى أهمية هذا الموضوع – ثم انتفض انتفاضة واستوى قائماً وحمد الله وأثنى عليه وصلّ على نبيه وأهل بيته ثم قال: (أول عبادة الله معرفته وأصل معرفته توحيده).
ومعرفة الله عزّ وجل هي مفتاح عبادته وبالتالي الإستغناء بعبادته عما سواه.
روى الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع بسنده عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) قال: خرج الحسين بن علي(عليهما السلام) على أصحابه فقال: (أيها الناس! إن الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه).
معرفة الله، مستمعينا الكرام، هي وسيلة تحقق حقيقة العبادة كما يشير لذلك الحديث الشريف المروي في كتاب التوحيد عن مولانا الإمام الكاظم(عليه السلام) قال: قال قوم للصادق(عليه السلام): إننا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال(عليه السلام): (لأنكم تدعون من لاتعرفونه).
فكما ازدادت معرفة الإنسان بربه، ازدادت معها درجته في العبودية، وبالتالي في استجابة الدعاء، إذ أن دعاءه سيكون منطلقاً من جميل معرفته بالله وحكمته وسعة رحمته وقربه من عباده وقدرته على كل شيء.
قال الإمام علي (عليه السلام): (أعلم الناس بالله أكثرهم له مسألة).
قال أيضاً في دعائه في مسجد الجعفي: (إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك وكيف لاأدعوك وقد عرفتك).
أيها الإخوة والأخوات، ومعرفة الله عزّ وجل هي وسيلة التحلي بالتقوى والورع اللذين يحفظان الإنسان من المعاصي وما يوقع الإنسان في الشقاء.
قال مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام): من عرف الله سبحانه لم يشق أبداً.
وقال(عليه السلام): عجبت لمن عرف الله كيف لايشتد خوفه؟!
وقال أيضاً: أعلم الناس بالله أكثرهم خشية له وأخوفهم منه.
وأخيراً قال مولى الموحدين(عليه السلام) في إحدى خطب النهج في وصف الفجار والفساق؛ (لو فكّروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة والبصائر مدخولة! ألا ينظرون إلى صغير ما خلق؛ كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر وسوّى له العظم.. فالويل لمن أنكر المقدر وجحد المدبر).
مستمعينا الأكارم، وخلاصة ما تقدم أن معرفة الله هي الأصل الذي يكون به العلم النافع نافعاً وبمعرفة الله يحيا الإنسان الحياة الحقيقية الطيبة وبها تتحقق العبادة الحقة ويستجاب الدعاء وبمعرفة الله يتحقق الورع والنجاة من الشقاء.
نشكر لكم، أيها المستمعون الأكارم، طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين). إلى لقائنا المقبل نستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الى اللقاء.