البث المباشر

تقليد مذموم وتقليد محمود

الأربعاء 6 مارس 2019 - 08:56 بتوقيت طهران

الحلقة 23

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
أهلا و مرحبا بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج، نتناول فيه سؤالاً يتردد في أذهان كثيرين.
السؤال يقول: إن القرآن الكريم قد ذمّ التقليد في حين أن الفقهاء قد أوجبوا على غير المجتهد أن يقلد المجتهد فكيف نجمع بين هذا وذاك؟
وبعبارة أخرى، هل يوجد تقليد مذموم وتقليد محمود؟ وكيف نميز بين هذا وذاك.
نتلمس الإجابة معاً من مناري الهدى، القرآن والأحاديث الشريفة، فكونوا معنا.
نبدأ أعزاءنا بكتاب الله عزّ وجل، وفيه نجد عدة من الآيات التي تذم تقليد الآباء، نكتفي منها بالآيات التالية التي تعرّفنا بسر ذم التقليد وبالتالي ما هو التقليد المذموم، نقرأ في سورة الزخرف الآيات ۲۰ الى ۲٥ وهي:
«وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ».
مستمعينا الأفاضل، عندما نتدبر في هذا النص القرآني نعرف أن التقليد المذموم قرآنياً هو الذي يكون نتيجة للتعصب الأعمى للسلف والآباء، بحيث يكذب الإنسان غير ما عرفه منهم ولو كان أهدى مما كان عليه الآباء.
فهو تقليد ناشئ عن الجهالة (مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ) وناشئ من الترف وحب الدعة وكراهة الإجتهاد في طلب طريق النجاة (إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا)؛ ولذلك فإنه يوقع المقلد عن ترف وعمى في سوء العاقبة.
أما إذا تخلص المقلد من التعصب والجهالة وحب الدعة، وكان تقليده عن علم أي إنه يقلد العالم علماً منه بأنه محقق في قوله، فتقليده في هذه الحالة ليس مذموماً بل هو جار على حكم العقل السليم، وهذا حال تقليد غير المجتهد للمجتهد العادل في أحكام الدين.
وحاله في ذلك حال من يرجع الى الطبيب إذا مرض ويأخذ منه العلاج ثقة بخبرته وتخصصه، مثلما يرجع الطبيب الى المريض نفسه في مجال تخصصه، فإذا كان المريض مثلاً خبيراً في أحكام الدين قلّده الطبيب في شؤون دينه وقلّده المريض في شؤون العلاج.
يبقى هنا أن نذكر أن التقليد الذي أوجبه الفقهاء هو في فروع الدين التي يحتاج استنباطها الى تخصص علمي، أما العقائد وأصول الدين فلا تقليد فيها، ويجب الإعتقاد بها عن تحقيق وعلم.
وعندما نرجع الى الأحاديث الشريفة نجد فيها أيها الأعزاء بياناً لطيفاً لخطر التقليد المذموم وهو المشار إليه في بداية النص القرآني المتقدم، حيث ينقل قول المقلدة (لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم) أي، أن التقليد الناشئ عن التعصب والجهالة والترف يؤدي الى الشرك وعبادة المقلدين، وهذا ما يحذر منه الإمام الصادق -عليه السلام- في المروي عنه أنه قال:
(إياكم والتقليد، فإن من قلد في دينه هلك إن الله تعالى يقول: «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ»، فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا، ولكنهم أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فقلدوهم في ذلك فعبدوهم وهم لا يشعرون).
وهذا الحديث الشريف أيها الأحبة يشتمل على تنبيه مهم للإنسان الى ضرورة أن يكون تقليده حتى للعلماء قائماً على أساس الثقة والإطمئنان إلى نزاهتهم وتقواهم وأنهم لايفتون بشيء من عند أنفسهم بل ينقلون للناس ما استنبطوه من كتاب الله وسنة النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين، وإلا كان عابداً لهم (وليس الله) من حيث لايشعر.
أيها الأخوة والأخوات، ومن المنطلق السابق نفهم أن أخذ الدين بالتقليد المحمود من العلماء الأتقياء إنما يكون أخذاً من القرآن والسنة، وهذا يعني الإستقامة على الدين الحق، في حين أن تقليد العلماء غير الأتقياء يعني التذبذب وعدم الثبات على الدين الحق، إذ إن الإنسان لو اتبعهم في فتاوى أصدروها بدافع الأهواء أو الضغوط النفسية والإجتماعية أو القياس وغير ذلك، يكون بذلك قد خرج عن الدين الحق وعبدهم من دون الله.
قال إمامنا الصادق (عليه السلام): (من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل).
بهذا نخلص أيها الأعزة إلى جواب سؤال هذه الحلقة عن التقليد المذموم والتقليد المحمود وهو أن الأول ما كان ناشئاً عن التعصب والجهالة والترف ويقلد الإنسان من لايستحق التقليد إما لنقص علمه أو تقواه.
أما التقليد المحمود فهو رجوع غير المختص الى المختص في مورد إختصاصه شريطة أن يكون العالم تقياً لايفتي إتباعاً للهوى.
وختاماً نشكر لكم طيب الإصغاء لحلقة اليوم من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) استمعتم له مشكورين من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم بكل خير. في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة