سلام من الله ورحمة الله وبركاته، نرحب بكم أطيب ترحيب ونحن نلتقيكم بتوفيق الله في حلقة أخرى من برنامجكم هذا. السؤال الذي نبحث عن إجابته في لقاء اليوم هو من الأسئلة التي تتردد كثيرا في الأذهان وتتباين بشأن الإجابات. وما نسعى إليه هو معرفة إجابة الثقلين عنه، نعني القرآن الكريم وأحاديث أهل بيت النبوة – عليهم السلام –.
أما السؤال هو (ما هو دور العقل في الحصول على المعارف الإلهية وهي من علوم الغيب؟). لنتأمل معاً في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تنير لنا طريق العقل السليم.
مستمعينا الأفاضل، للحصول على إجابة هذه الحلقة ننطلق من الآيات الثامنة والعشرين إلى الثلاثين من سورة الروم فبعد آيات عدة يدعو الله عباده للتفكر والتعقل في آيات رحمته، يقول عز من قائل: "...كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"... . أيها الإخوة والأخوات، من خلال التدبر في الآيات الكريمة المتقدمة نحصل على ثلاث حقائق أساسية نتعرف منها على دور العقل في المعرفة الدينية.
الحقيقة الأولى هي أن العقل السليم يكتنز في فطرته أي أصل خلقته ما به يصل إلى معرفة الله إجماليا من خلال التفكر في آياته في الآفاق والأنفس، أي أنه بفطرته يحصل على أصول المعارف الدينية.
والحقيقة الثانية – مستمعينا الأكارم – هي أن الأهواء التي تنشأ من الجهل هي التي تحجب عقل الإنسان عن معرفة هذه الأصول المعرفة السليمة. فإذا اتبع الأهواء سقط في مستنقع الجهالة الفكرية والجاهلية السلوكية، وبالتالي يحرم نفسه من الإستفادة من نعمة العقل في الحصول على تفصيلات المعارف الدينية التي بها كماله وسعادته.
أما الحقيقة الثالثة فهي أن حصول العقل على تفصيلات المعارف الدينية – وهي من علوم الغيب – يكمن في أن يقيم وجهه – حنيفا – أي باستقامة إلى الدين الإلهي القيم فيأخذ تفصيلات المعارف من منابع هذا الدين وهي الكتاب الإلهي وبيانات المعصومين – عليهم السلام – له.
مستمعينا الأفاضل، هذه الإجابة القرآنية بينتها لنا بكل وضوح أحاديث الثقل الثاني أي أهل بيت النبوة – عليهم السلام –. فقد رويت عنهم – عليهم السلام – أحاديث عدة تفسر فطرة الله التي فطر الناس عليها بمعنى معرفة الإسلام الدين الحق ومعرفة التوحيد والولاية.
ففي كتاب المحاسن عن مولانا الإمام الباقر في تفسير هذه الآية قال – عليه السلام –: "فطرهم على معرفته أنه ربهم ولولا ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ومن رازقهم). وعنه – عليهم السلام – في كتاب بصائر الدرجات في تفسير الآية قال – عليه السلام –: (فطرهم على التوحيد وأن محمدا رسول الله وأن عليا أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وعلى ذريتهما الطيبين صلاة دائمة إلى يوم الدين".
وفي كتاب (الكافي) عن زرارة عن مولانا الباقر – عليه السلام – أيضا قال: "الحنفية من الفطرة التي فطر الناس عليها، فطرهم على المعرفة"
قال زرارة: فسألته عن قول الله عزوجل "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى"، فقال – عليه السلام –: "أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر وأراهم نفسه ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه".
ثم قال – عليه السلام –: "وقال رسول الله – صلى الله عليه وآله –: كل مولود يولد على الفطرة، يعني على المعرفة بأن الله عزّ وجل خالقه، و كذلك قوله: ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله".
إذن – مستمعينا الأفاضل – فالعقل الإنساني يضم حقائق المعرفة الدينية في داخله، بمعنى أنه مقر بها بتعليم إلهي سبق في فطرة الإنسان عند الخلق، ولكن إظهار هذه المعارف يحتاج إلى التعلم من الأنبياء والأولياء – عليهم السلام –: وهذا محور دور العقل في المعرفة الدينية.
روي في كتاب تحف العقول عن النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – أنه قال: "العلم خليل المؤمن والعقل دليله". وقال – صلى الله عليه وآله وسلّم – أيضا: "ما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه".
وفي الكافي عن إمامنا الكاظم – عليه السلام – قال: "إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيين بالبيان، إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه".
ولذلك نجد مولانا أمير المؤمنين – عليه السلام – يصرّح بأن مهمة الأنبياء عليهم السلام هي تنشيط عمل العقل في إخراج ما يكتنزه من معارف إلهية بفطرته، فيعرضون عليه المعارف فيقبلها: قال – عليه السلام – في نهج البلاغة: "فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكرونهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول".
مستمعينا الأكارم، نلخص الإجابة التي حصلنا عليها من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة بشأن دور العقل في المعرفة الدينية، بما يلي: إن العقل يحصل بالتفكر السليم على أصول حقائق المعرفة الدينية، فيذهب إلى مصادر الوحي الإلهي لكي يحصل منها على تفصيلات المعارف الدينية التي يجد في فطرته الإلهية القبول لها. وبهذه الخلاصة ننهي أعزائنا حلقة اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين)، إستمعتم لها. شكرا لحسن متابعتكم لهذه الحلقة التي قدمت لحضراتكم من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران ودمتم بكل خير. الى اللقاء.