والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين. ومن هضبات الصادقين المحبين للنبي وال النبي هو العالم الجليل والتابعي المعظم الشهيد سعيد بن جبير الاسدي الكوفي رضوان الله تعالى عليه وهو عالم مجاهد وتابعي مشهور و احد فقهاء اهل البيت و احد مفسري القران، اخذ علوم القران وتفسيره عن عبد الله بن عباس رحمه الله وسعيد بن جبير من ضحايا الحجاج بن ابي يوسف الثقفي الذي قتل مئة وعشرين الفاً من اتباع اهل البيت ونبش ثلاث الاف مقبرة في منطقة الكوفة وضواحيها بحثاً عن رفات الامام علي بن ابي طالب، سعيد بن جبير من ضحايا هذا الطاغوت وطبعاً سعيد بن جبير هو من الكوفة من بني اسد وهذه القبيلة قبيلة مباركة، من هذه القبيلة حبيب بن مظاهر واخوه من هذه القبيلة، الشاعر وهو الكميت وغيره.
المصادر التاريخية تقول عن سعيد بن جبير انه اشتهر بعلمه، يستشهدون المصادر بهذه الكلمة للامام احمد بن حنبل، امام المذهب الحنبلي قال: لا يوجد في الدنيا عالم الا وهو محتاج لعلم سعيد بن جبير. هذه الكلمة لأحمد بن حنبل فكان يسمى سعيد بن جبير بجهبذ العلماء في عهده اما عبادته وطاعته ذكروا عنه انه كان في البيت الحرام يختم القران بركعتين وسعيد بن جبير كان من التابعين الملازمين للامام زين العابدين، كان ينشر ما يسمعه من الامام السجاد في مجالس العامة يعني كان منبر، مذياع لثقافة اهل البيت فهذا آثار عليه سخط الطغيان الاموي فصرفت بني امية ثلث خزينة الدولة من اجل ان ينشروا فضائل مصطنعة لرجالاتهم، اشتروا الضمائر واشتروا الاقلام والذوات وبالمقابل هدموا الدور على كل من يكتب في فضائل علي بن ابي طالب واهل بيته لذلك كان الشخص لما يتكلم عن ثقافة اهل البيت يغامر بروحه ويكون في خطر من اشد المخاطرات فأتصاله بالامام السجاد سعيد بن جبير او نشره لأحاديث وفضائل اهل البيت اثبت في المحافل وطبعاً هذا هو احد الاسباب التي جعلت الامور في احتقان شديد، اثبت سعيد بن جبير في المحافل ان الحسن والحسين ابنا رسول الله، بني امية صرفوا اموال طائلة على ابعاد الحسنين عن النبي وانهما ولدا علي بن ابي طالب وان ابن البنت هو تابع لأبيه وماهي علاقتهم بالنبي لكن سعيد بن جبير كان بيده سيف قوي، دليل صارخ يستدل بالآيتين 84 و85 من سورة الانعام، ما هي الآيات؟ «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ» فكان يصيح سعيد بن جبير كيف انضم اليهم عيسى وهو لا اب له لكنه انضم الى ذريته "ذرية ابراهيم" بسبب امه مريم فنسب الى ابراهيم عن طريق امه والحسن والحسين اولى بأن ينسبا الى رسول الله صلى الله عليه واله، هذه اثارت او فجرت الحقد فأخذ الحجاج يعلن الجوائز لمن يلقي القبض او يخبر عن مكان اختفاء سعيد بن جبير، سعيد بن جبير صادف يوماً انه دخل البيت الحرام مغيراً ملابسه ومظهره لكن جواسيس الوالي خالد القسري اكتشفوه وقبضوا عليه وكان متمسكاً بأستار الكعبة، اوثق واقتيد اسيراً لذلك ترى هذا الموضوع آثاره الامام الصادق على ابو حنيفة، ابو حنيفة سأله الامام قال له: يا ابا حنيفة ما معنى قوله ومن دخله كان امناً؟ فما هذا الموضع؟
فقال ابو حنيفة: انه البيت الحرام.
فقال الامام: نشدتك الله يا ابا حنيفة اما علمت ان سعيد بن جبير وغيره دخلاه فلن يأمنا القتل، هنا ابو حنيفة تأمل ثم قال: ارجوك يا بن رسول الله ان تعفني عن هذا.
على اي حال اخذوه اسيراً من البيت الحرام ذهبوا به الى الحجاج والحجاج حاقد فلما مثل بين يديه قال له: ما اسمك؟
قال: سعيد بن الجبير.
واذا الحجاج يقول له: بل شقي بن كسير.
فقال: ان امي سمتني بهذا الاسم.
فقال الحجاج: شقيت وشقيت امك.
قال سعيد: ذلك امر يعلمه الله.
قال له: ما رأيك بفلان وفلان في الجنة ام في النار يعني من باب اثارة قضايا لا معنى لها.
فقال له سعيد: لو دخلت الجنة والنار لعلمت من فيهما.
ثم قال الحجاج: اي الخلفاء احب اليك، هنا يريد ان يضعه في الزاوية كما نقول.
فأجابه سعيد بن جبير قال: احبهم الي ارضاهم لخالقي.
فقال الحجاج: فأيهم ارضى لخالقك بزعمك.
قال سعيد: علم ذلك عند ربي، يعلم سرهم ونجواهم.
فقال الحجاج: ابيت ان تصدقني.
قال سعيد: بل لم احب ان اثلب.
على كل آخر المطاف عرض الحجاج على سعيد ان يبرأ من الامام علي فقال سعيد: لا افعل ذلك ابداً.
فقال: اذا لم تفعل اذن اختر لنفسك اي قتلة تحب ان اقتلك.
فقال سعيد: اختر انت لنفسك لان القصاص امامنا يوم القيامة وربما في الدنيا.
نعم احياناً في الدنيا ولذلك طاغية العراق اعدم بنفس الالة التي اعدم بها مئات الالاف من الشباب المؤمنين هذه في الدنيا واما في الاخرة كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا، نعم قال كيفما تحب ان تقتل اقتلني، امر الحجاج الجلاد ان يحتز رأسه، قال: اقطع رأسه، فلما طرحوه الى الارض قرأ هذه الاية «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».
فقال الحجاج: غير وجهه فغيروه فقرأ هذه الاية «أَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ».
واذا الحجاج بأساليبه الحقيرة قال: كبوه على وجهه فوضعوا وجهه الى الارض فقرأ هذه الاية: «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى».
واحتز رأسه الشريف وكان يدعو بهذا الدعاء اثناء قطع رأسه: «اللهم لا تسلط الحجاج على احد من بعدي»، هذا وقع سنة 95 هجرية عمره ذلك اليوم سعيد بن جبير تسعة واربعين سنة، سبحان الله هذه دعوة سعيد بن جبير استجيبت خصوصاً هنا، ما بقي الحجاج بعد ما قتل سعيد بن جبير الا خمسة عشر يوماً وكيف هلك؟ الله اكبر صار كالمجنون كان ينام ويفزع من النوم في حالة هستيريا ويصرخ مالي ولسعيد قتلته، هلك والتعن الحجاج وهو يلفظ ويردد هذه العبارة اذن دعوة سعيد بن جبير هذا العالم استجيبت.
عمر سعيد يوم استشهد تسعة واربعين سنة وفجع العالم الاسلامي بمصرعه لانه عالم ومفسر ومن اوائل التابعين وتلميذ للامام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه، شخصية من هذا القبيل من هذا الوزن له مستوى، طبعاً لما قتل امر الحجاج بدفنه سراً في منطقة واسط في العراق بين الكوت ومدينة الحي وبقي قبره مجهولاً الى ان بعد ذلك عثر على قبره فبنى الصفويون رحمهم الله وجعلوا منه مزاراً وبقي يزار.
أسأل الله لهذا العالم الجليل الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******