الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين. ومن خلص الصادقين المخلصين للنبي والوصي هو الصحابي الجليل المقداد بن الاسود الكندي رحمه الله. المقداد من العناصر المتقدمة جداً في عداد الصحابة وله موقع خاص عند رسول الله. هو في الواقع من مواليد حضرموت في اليمن، اصالة يماني، ولادته قبل البعثة بأربعة وعشرين سنة، المقداد من خيرة اصحاب النبي والامام علي، يكنى بأبي الاسود، كان اصحاب النبي يلقبوه بحارس رسول الله، النبي يحتاج لحارس، الله هو الحارس له، الله هو يحرسه، لكن عندنا مثلاً بواب أنس بن مالك لكن يأتي احداً ويتطوع يقول: يا رسول الله انا اريد ان اجلس عندك في الباب اخدمك فالمقداد لكثرة ما كان لصيقاً برسول الله ويحاول ان يفدي النبي ويقدم نفسه كدرع اشتهر بأنه حارس رسول الله، ويكتب عنه المؤرخون بأنه من الرماة الأوائل، مدرب ومن الأقوياء في الحروب والغزوات، كيف أتى من اليمن؟ هو هاجر المنطقة نتيجة مشاكل قبلية، مشاكل هددت وجوده، فجاء واستوطن في مكة لكن كان يقارب النبي (صلى الله عليه وآله) ويلاحظ اخلاق الرسول، هذا الكلام قبل البعثة وما ان اعلن النبي الدعوة الاسلامية إلا وكان مقداد بن الاسود ضمن المتقدمين الأوائل، التاريخ يقول هو سابع الأوائل، أولهم علي (صلوات الله وسلامه عليه) السابع المقداد ابن الاسود الكندي لكن لا يخفى، يجدر هذا المعنى ذكره ان المقداد شأنه شأن ابي طالب سلام الله عليه عم النبي، اخفى اسلامه لفترة خشية الانتقام منه اولاً وثانياً لو لم يخفي اسلامه ما كان يؤدي بعض المهام التي هي في النتجة خدمة للنبي وخدمه للاسلام، فترة اخفى اسلامه وبعد ذلك التحق في المدينة وظهر مع النبي (صلى الله عليه وآله) كشخصية رائدة يوم بدر، يوم بدر السنة الثانية من الهجرة كان له دوراً وقف المقداد (رضوان الله عليه) يخاطب النبي لكن يوجه رسالة للمسلمين الموجودين: صاح يا رسول الله انا نعلم ان قريش وخيلاءها ورجالها ونحن لا نقول لك ما قال اصحاب موسى لموسى اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاً، إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، لكن نقول لك: اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاً انا معكم مقاتلون، استأنس النبي وظهر البشر والفرح على وجهه وتفائل النبي بذلك خيراً.
حتى يقولون ان ابن مسعود قال: لو كان هذا الموقف لي لكان احب الي ممن طلعت عليه الشمس والقمر لا من باب الحسنة بل من باب الغبطة. وفعلاً قاتل المقداد يوم بدر ببسالة فقتل من قتل وأسر من أسر من المشركين.
هنا اذكر قضية للمقداد جرت مع أمير المؤمنين ومن خلالها ننتزع صبر أهل البيت ورضاهم بقضاء الله، سافر أمير المؤمنين سفرة ايام، لما رجع وجد الزهراء والحسنين وقد ظهرت عليهم آثار الجوع فسأل الزهراء فقالت: يا بن العم لنا ثلاثة ايام ما ذقنا من الطعام شيئاً وان ابي نهاني ان اكلفك شططاً، تأثر الامام علي فلم يكن عند الامام ولا درهم، ذهب الإمام الى الصوق واقترض ديناراً من بعض اصحابه ليشتري به طعاماً واذا المقداد بن الأسود الكندي سلم على الإمام وتركه فأستغرب الإمام، هذا المقداد؟
فصاح الامام: يا ابا الاسود؟
فأتى، فقال له: ما هي قضيتك؟ هذه ليست من عادتك؟
ضاقت نفسه ثم قال له: يا ابا الحسن انا لا أعرف أين اضع قدمي؟ لماذا؟
قال: لأني تركت اطفالي يتضورون جوعاً.
ابتسم الإمام، لأن هكذا قضايا لا يعيروها اهمية اهل البيت، قال: يا مقداد لا عليك، امامك طالع لهذا الغرض ايضاً، اقترضت ديناراً، هاك هذا خذه، قال: لا شاركك ذلك.
قال الامام: اني اكره الشرك، خذه اليك، المقداد اخذ الدينار.
الامام امير المؤمنين يقول: استحييت ان ارجع الى البيت، ارجع الى البيت وليس في يدي شيء!
مضيت الى المسجد وصليت خلف النبي صلاة المغرب والعشاء واذا بالنبي فرغ من الصلاة، سأل من رأى ابن عمي قالوا له في آخر الصفوف، فقال: ادنو مني يا علي، واذا بالنبي يهمس في اذنه قال: يا علي ان ربي اوحى الي الآن وأمرني ان اتعشى عندكم هذه الليلة.
يقول امير المؤمنين: فأستجمعت قواي ولم اظهر شيئاً وقلت: على الرحب والسعة يا رسول الله، وجاء النبي وعلي، دخلاً على فاطمة (سلام الله عليها) فقال النبي: بنية فاطمة جئت لأتعشى عندكم.
يقول الامام الصادق: دخلت جدتي فاطمة الى مخدعها ودعت ربها قائلة: "اللهم انك انزلت الموائد على آل اسرائيل فكفروا بها ونحن آل بيت نبيك لم نكفر بها، اللهم ان ابي ضيفي في هذه الليلة".
يقول الامام الصادق: فأنكشف السقف عن جفنة من البلور يفوح منها رائحة المسك والعنبر، فوضعت ذلك امام النبي، تعجب الامام علي وسألها: من أين لك هذا يا فاطمة وانت تشتكين الجوع؟
واذا بالنبي اجابه على الفور قال: يا علي ان هذا عوض دينارك الذي اقترضته واعطيته للمقداد، انكم اشرف على الله من آل عمران يا آل محمد وقرأ النبي: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ».
فالمقداد صداقته مع أمير المؤمنين متينة وموقفه المدافع عن أمير المؤمنين بعد وفاة النبي ويوم الشورى، توفي المقداد عام 33 هجرية، عاش سبعين سنة والذي تولى دفنه عمار بن ياسر، دفنه في البقيع واثنى عليه، كان المقداد يتمنى بعض مواقفه العديد من الصحابة، هنا اذكر هذه الملاحظة من باب «وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ» المقداد له ولد واحد اسمه معبد وهو على خلاف نهج ابيه، التحق بمعاوية يوم صفين وقتل بين يديه، بعد انتهاء الحرب الامام أمير المؤمنين يمر معه الى جماعة من اصحابه فمر على جثة بين قتلى اصحاب معاوية، نظر الامام اليه بحزن وقال: هذا معبد رحم الله اباه المقداد فلقد كان معنا ومن محبينا. اذن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، كل انسان مسؤول عن اعماله «وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، كم من أب منحرف ابنه رأس المقدسين وبالعكس، هذا هو المقداد وهذا هو موقعه من رسول الله ومن أمير المؤمنين، تغمده الله بواسع رحمته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******