البث المباشر

تفسير موجز للآيات 57 الى 74 من سورة الواقعة

السبت 24 أغسطس 2024 - 11:48 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 995

 

بسم الله والحمد لله حمد الشاكرين على نعمائه سيما نعمة الهدى والإيمان ثم الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبتنا المستمعين الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة حيث سنستأنف فيها بيان آيات سورة الواقعة المباركة، فنشرع هذه الحلقة بالإستماع الى تلاوة الآيات السابعة والخمسين حتى الثانية والستين من سورة الواقعة فابقوا معنا مشكورين..

نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ{57} أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ{58} أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ{59} نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ{60} عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ{61} وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ{62}

أيها الأفاضل، أشارت الآيات السابقة إلى إنكار بعض الناس المعاد، وفي هذه الآيات يقدم الله عزوجل بعض المؤشرات الدالة على قدرته المطلقة، لرفع أسباب استبعاد المعاد وإنكاره.

كما أشارت الآيات إلى أن إخفاء وقت الموت له حكم وأسرار شتى منها، أنه يؤدي إلى الإستعداد الدائم لإستقبال لحظة الموت، بالعمل الصالح والتوبة المتكررة، ومنها الحفاظ على مسيرة الحياة بشكل طبيعي، ولو علم الإنسان وقت موته لأعرض عن الدنيا وضاقت في وجهه.

ومما نتعلمه من هذه الآيات المباركة أولاً: لابد من مواجهة المنكر بالحجة والدليل.

ثانياً: يجب أن يكون اللوم والتأنيب بعد تقديم الدليل؛ فقد قال الله تعالى أولاً (نحن خلقناكم) ثم ثنّى بقوله (فلولا تصدقون).

ثالثاً: قدرة الله تتجلى في كل من الخلق والإماتة.

رابعاً: الموت من الظواهر الخاضعة للقانون، وليس أمراً عشوائياً يتحقق بالصدفة.

خامساً: الموت ووقته من الظواهر الخاضعة لإرادة الله عز اسمه، ولا قدرة لأحد من الناس على تقديمها أو تأخيرها لحظة من الزمان.

سادساً: من الحكم الكامنة في الموت، إرادة لإستبدال بعض الناس ببعضهم الآخر وإيجاد التحول والتطور على الأرض.

وسابعاً: الدنيا معبر ومحطة تستقبل في كل يوم مسافرين جدد.

أما الآن، إخوتنا الكرام، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الثالثة والستين حتى السبعين من سورة الواقعة المباركة..

أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ{63} أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ{64} لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ{65} إِنَّا لَمُغْرَمُونَ{66} بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ{67} أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ{68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ{69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ{70}

"الحطام" عزيزي المستمع، من الحطم وهو الكسر، و"تفكهون" من مصدر "فكه" وهو أكل الفاكهة، أو الحديث الذي فيه فكاهة، ووردت أيضاً بمعنى التعجب والندم، و"مغرمون" من الغرم والغرامة هي الخسارة.

ومن الأمور الجديرة بالتفكر والتأمل أن الأرض تحول جسم الإنسان الى تراب، ولكنها لا تحول البذر الذي يلقى فيها إلى تراب بل إلى نبات. وللبذرة في الأرض حركتان متعاكستان، إحداهما بمد جذورها إلى الأسفل، والثانية امتدادها إلى الأعلى، ولها في الحركتين قدرة على مواجهة الموانع والمعيقات.

و"المزن" هي الغيوم البيضاء الحاملة للمطر و"أجاج" أي مالح مع مرارة.

فالآيات تدعو للتأمل في نعم الله على الإنسان ومن ثم الشكر والإمتنان لله تعالى على نعمه، وفي الوقت عينه تعميق روح التوحيد في نفسه.

كما تفيدنا هذه الآيات الشريفة أولاً: القادر على تخليق النبات من البذر الذي يلقى في الأرض، هو نفسه القادر على تخليق الإنسان من النطفة التي تبدو ميته لا حياة فيها.

ثانياً: كل الأفعال و ردّات الفعل الطبيعية، تحصل بقدرة الله تعالى وإرادته.

ثالثاً: الأدلة التي يشير إليها القرآن تتوفر على البساطة والدقة والعمق في آن معاً، وبالتالي يكفي النظر إلى الماء للإعتراف بالمبدأ والمعاد.

ثالثاً: نزول الماء من السماء، خارج عن قدرة الإنسان، وهذا يكفي للدلالة على معرفة الله.

ورابعاً: الخلق كله مدرسة للتدبر، والتذكر والشكر.

أيها الإخوة والأخوات، ندعوكم الآن للإستماع الى تلاوة الآيات الحادية والسبعين حتى الرابعة والسبعين من سورة الواقعة المباركة..

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ{71} أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ{72} نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ{73} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ{74}

أيها الأكارم، جاءت كلمة "تورون" من الوري وهو إظهار الخفي، والمراد من التعبير في هذه الآية الإشارة الى استعمال العرب بعض أنواع الأشجار بحكها بعضها ببعض واستعمالها لإشعال النار، وبعبارة أخرى، كأنه سبحانه وتعالى يقول: أخبروني عن النار التي تظهرونها بالقدح من الشجر الرطب أأنتم أنشأتم شجرتها، يعني التي يكون منها الزناد وهي المرخ والعفار.

و"المقوين" فهي من القواية أي الصحراء والبرية، والمقوي هو المسافر في الصحراء.

ويدحثنا الله عزوجل في هذه الآيات عن العناصر الأربعة وهي التراب والماء والهواء والنار، وهي جميعاً تحت سلطته وقدرته وخاضعة لمشيئته.

ومما نستقيه من هذه الآيات الكريمة أولاً: الله الذي يخرج النار من الشجر الرطب، هو القادر على إعادة الحياة الى الأجساد الميتة.

ثانياً: خروج النار من الشجر الأخضر، يذكر بالآخرة من جهتين، إحداهما جهة خروج النار الكامنة في الخشب، وهذا يلفت إلى إمكان عودة الأجساد الميتة إلى الحياة، والأخرى أن نار الدنيا تذكر بنار الآخرة.

وثالثاً: يدعو الله النبي (ص) إلى تسبيح الله وتنزيهه، بغضّ النظر عن إيمان الناس واتعاظهم بهذه المواعظ المنبهات أو عدم اتعاظهم.

مستمعينا الكرام، بهذا وصلنا وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر آخر من آي الذكر الحكيم دمتم بخير وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة