الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين.
ومن الصادقين الذين خدموا خط اهل البيت ومدرسة اهل البيت هو العالم الفذ والذي قل نظراءه المرحوم السيد عبد الله شبر الحسيني، اشتهر هذا العالم الكبير في زمانه بهذا العنوان «المجلسي الثاني» المجلسي الاول هو صاحب موسوعة البحار والمجلسي الثاني في زمانه هو السيد عبد الله شبر، ترجمته عدة كتب رجالية بأسهاب ولكن حسب الفرصة التي في البرنامج اعرف هذه الشخصية بأقتضاب لاخواني المستمعين واخواتي المستمعات، المرحوم السيد عبد الله شبر هو من مواليد النجف الاشرف في العراق عام 1188 هجرية وهو ينتمي الى اسرة علمية شهيرة وعلوية تمتد بنسبها الى الامام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه الامام الرابع ضمن ائمة اهل البيت، هذه الاسرة تنتشر في النجف الاشرف وفي الحلة وفي الكاظمية وفي البصرة وفي مدن اخرى ويكتب عن ذلك بشكل مفصل المرحوم الشيخ جعفر محبوبة في ماضي النجف وحاضرها وغيره من الكتب المماثلة، هذه الاسرة اتخطر ان العلامة الشيخ محمد السماوي له منظومة يقول فيها:
اسرة لشبر الشريف
وجامع الشتات بالتصنيف
من كل فرد فاضل قد جمعاً
الى علومه التقى والورعاً
ذكرت كتب الرجال ان هذا الرقم المبارك وهو السيد عبد الله شبر شب من صغر سنه على حب العلم والفضائل وكانت تلك مؤشرات تدل على عظمة مستقبله العلمي والجهادي لذلك دعاه والده من الصغر الى الجد في طلب العلم والمعرفة واكد عليه انه لا يجيز له ان يتصرف بما ينفقه عليه ما لم يجتهد في التحصيل حتى في اليوم الواحد لذلك تنقل عنه هذه الحالة بأنه يوم من الايام شهد يبيع دواة قلمه لبعض اترابه في المدرسة ولما سئل عن السبب اجاب ان هذا اليوم موعوك ولم يقدر على مواصلة الدرس فلا يستسيغ ان يتصرف بنفقة والده له لانه مشترط عليه ما معنى هذا؟ هذا ان دل فأنما يدل على تقواه والتزامه وهو في ذلك السن فتدرج المرحوم السيد عبد الله شبر في مراقي العلم حتى اصبح تلميذاً لا معاً للمرحوم رجل الفقه الشيخ جعفر الجناجي صاحب كتاب كشف الغطاء وانا لا ابالغ ان ذكرت ان السيد عبد الله شبر بلغت مؤلفاته اكثر من سبعين مؤلفاً وفي مختلف الفنون وهو لم يتجاوز في عمره الرابعة والخمسين ومن اشهر مؤلفاته الذائع الصيت جامع المعارف والاحكام وهو عبارة عن موسوعة في الحديث وكما اشتهر ايضاً كتابه الاثري وهو تفسير القرآن واعتقد انه لا تخلو منه مكتبة ابداً رغم انه تفسير مختصر والملفت في الامر همته العالية في التدوين والتأليف واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار التدوين والتأليف في ذلك الزمان وهو انعدام المصادر للأفتقار الى المنابع العلمية وقلة المكتبات وتدمير مصادر التراث وعدم وفرة وسائل التحرير هذه كلها كانت مكلفة في زمانها قضية التأليف والتدوين فهذا العالم الجليل كان يسهر الليل منكباً على القرطاس يكتب ولو حظت كلمته على بعض مؤلفاته اكثر من مكان يقول بأني شرعت في كتابته عند العشاء وتمت بعد منتصف الليل بمعنى سرعة تدوينه والمواصله والمواظبة والسهر والعناء، ذات مرة سئل عن هذه الهمة العالية في التأليف فأجاب وهذه ملاحظة مهمة اجاب بأن ذلك من بركات الامام باب الحوائج موسى بن جعفر سلام الله عليه وذكر بأنه رأى في المنام كأنه بين يدي الامام الكاظم فأعطاه قلماً وقرطاساً وقال له اكتب، يقول رحمه الله هذا في المنام لكن منذ ذلك التاريخ اصبحت اكتب بقدرة وهمة كبيرة وبلا كلل ولهذا الشيخ المرحوم محمد السماوي في ارجوزته يقول:
وقيل ان السيد البحر السري
ذا الفضل عبد الله آل شبر
السري بمعنى الشريف.
وقيل ان السيد البحر السري
ذا الفضل عبد الله آل شبر
قيل له بلغت في التصنيف
ما ليس بالطاقة والتكليف
فقال جاورت امامي الهدى
وكنت في رضاهما مجتهداَ
فطاف بالكاظم ليلاً حلماً
وقال خذ مني اليك قلماَ
ثم انتبهت وبكفي قلم
اكتب ما شئت به وارقم
فصرت من بعد بهذه الحالة
بلا شماتة ولا ملالة
كان لا يمل ولا يشعر بكلل، تلاحظ ان البعض شاب بعده في مقتبل العمر يكتب ربع صفحة وكأن جبل ابو قبيس على ظهره اما اذا كتب صفحه واحدة وقع، بينما نلاحظ ان بعض اساطين علماءنا ورجالنا يكب على الكتابة ولا يتخلى عن القلم حتى يسمع المؤذن شرع بالمناجات لأذان الفجر، يا ترى هذا ليس لديه شهية للنوم، هذا الشفقة والاهتمام والحس بأهمية تدوين التراث وتدوين الفقه خدمة لاهل البيت وخدمة لاتباع اهل البيت ولبني البشر بالاضافة الى عطاء السيد عبد الله شبر في الفقه والحديث والتفسير وغيرها فله عطاء جهادي واسع لانه عمل في مدينة الكاظمية على مقاومة الانحرافات وظهور البدع في داخل البيت الشيعي او في داخل التراث الشيعي وتحمل بسبب ذلك شر التهم والشتائم وهذا هو بحد ذاته جهاد ونوع من انواع الجهاد كما اشتهر عنه بأن دعاءه مستجاب وكان في بعض السنين حينما يحصل جفاف يخرج بالناس الى مسجد براثا او الى حرم الامام الكاظم فيرزق الناس المطر.
اما على صعيد اخر فقد ربى اكثر من مئة من رجال العلم وفيهم على الاقل اثنى عشر مجتهد وعالم بارز كذلك على المستوى الادبي له مقاطع من الشعر المحشو بالحكمة والمواعظ الا انني لم اعثر عليه نظراً لضياعه كما ضاعت بعض مؤلفاته، عاش الرجل مواصلاً ومثابراً الى ان لبى نداء ربه بمدينة الكاظمية عام 1242 هجرية وكان لوفاته صدمة كبيرة واقعاً فاجعة كبرى في العالم الاسلامي وشيعه مئات الالاف ووري الثرى في حرم الامامين الكاظم والجواد الظاهر كانت وصيته هكذا، المعروف عن العلماء انهم ينقلون الى النجف الاشرف لكن هو احب ان يجاور الامامين حياً وميتاً وقد رثاه الشيخ محمد السماوي مؤخراً وفاته بقوله:
جامع اثار الهداة البررة
في صحف مرفوعة مطهرة
اوضح بالتأليف كل معضل
مؤخر فاز ببر مفضل
تغمده الله برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******