والكرة الزرقاء التي نتنعّم بها باتت اليوم مُثقلة بالأعباء البيئية، من جهة أفضت زيادة درجات الحرارة والاحتباس الحراري إلى حرائق عديدة في الغابات الشاسعة في أمريكا وأوروبا، وذوبان الأنهار الجليدية القطبية لا سيما تلك الجبال الجليدية في القطب، عوامل تسبّبت بحالات موت وإبادة للعديد من المخلوقات بسبب الحرارة غير المسبوقة في بلدان من قبيل فرنسا، والتي باتت هذه المواضيع فيها ساخنة ومبعث للنقاش والحيرة.
لقد أدرك البشر، الذين عاشوا على الأرض لسنوات دون أي قلق واستخدموا مواردها واستمتعوا بها قدر استطاعتهم وألقوا كل نفاياتهم وفضلاتهم في حضن الطبيعة، اليوم أنهم لم يعد بإمكانهم الاستمرار في نمط الحياة هذا. ودعونا نتكلم دون تصنّع، الأرض التي نعيش عليها ستتجه نحو الهلاك إذا لم نعتن بها، وربما تتحمل لسنوات وعشرات الأعوام، ولكن إن لم نعتن بها بشكل جاد، فسيبلغ السيل الزبى حينها ويجرف معه كل شيء.
العوامل المؤثرة في إرتفاع حرارة الأرض
يؤكد الباحثون أن ثوران البراكين والحرائق الطبيعية والصناعات وكثافة المعامل تُفضي إلى دخول كمية كبيرة من غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، ومخرجاتها النهائية هي زيادة درجة حرارة الكوكب، لكن هذه الأشياء لا تشكل سوى جزء صغير من كمية الغازات الدفيئة.
الإنسان.. أكبر مُسبب للإحتباس الحراري
تكشف المؤشرات العلمية أن ظاهرة الاحتباس الحراري تحدث بسبب تكاثر الأنشطة البشرية يوماً بعد يوم، وسيغدو هذا النشاط خطرا جسيما على المجتمع العالمي في المستقبل. وأظهرت العديد من المسوحات على مر السنين أن الزيادة في التحضر أو استخدام السيارات القديمة له تأثير مباشر على ارتفاع درجة حرارة الكوكب، لكن نطاق النشاط البشري في هذه المشكلة يتجاوز بكثير ما نتصوره، ومع مرور الوقت يصبح التأثير السلبي أكثر بروزا من ذي قبل وبشكل لا مناص منه.
دور الإنترنت والرسائل الإلكترونية
ربما لن تصدقوا إن اخبرناكم قرّاءنا الأعزاء، أن منظمة كفاءة طاقة الاتصالات (CEET) أعلنت أن أكثر من 800 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون يتم إنتاجها سنويا فقط من المصادر التي توفر خدمات الإنترنت والخوادم السحابية، حتى أنه من المتوقع أنه بسبب سرعة التقدم التكنولوجي في السنوات الأخيرة ، سيتضاعف هذا الرقم في غضون عقد من الزمن.
ويقال أنه إذا كانت منظمة أو نظام يرسل 100 رسالة نصية يوميا، فإنه ينتج كمية من ثاني أكسيد الكربون مثل حركة السيارة لمسافة كيلومتر واحد. ويقول آليان آنجليد مدير الوكالة الفرنسية لإدارة الطاقة والبيئة: لقد زاد مقدار استهلاك الكهرباء بسبب توسع الأجهزة الإلكترونية المحمولة في العالم بشكل ملحوظ.
كورونا وتكاثف التواصل الإفتراضي
كل ما ذكرناه سالفاً لم يك سوى غيض من فيض، فوباء كورونا والقيود التي سبّبها كان لها تداعيات أخرى لا تقلّ عن مثيلاتها الأخرى، حيث ازداد اعتماد البشرية على التكنولوجيا الرقمية في عام 2020؛ وحلت مكالمات الفيديو ورسائل البريد الإلكتروني والترفيه الافتراضي محل التفاعلات وجهاً لوجه داخل وخارج مكان العمل، كما أن التأثير الأكبر للنشاط البشري على ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية (IEA)، بين فبراير ومايو من العام الماضي، في ذروة الحجر الصحي العالمي، زادت حركة الإنترنت العالمية بنسبة 40 بالمائة تقريبا ، مدفوعة بمؤتمرات الفيديو ، والألعاب عبر الإنترنت ، و استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. تقول وكالة الطاقة الدولية إنه في ظل هذا الوضع، ستتضاعف سرعة استهلاك حركة الويب بحلول العام المقبل، ومن المتوقع أن يرتفع مستخدمو الإنترنت عبر الهاتف المحمول من 3.8 مليار إلى 5 مليارات بحلول عام 2025، وهو ما لايبشر بالخير.
%6 دور التقنيات الرقمية في الاحتباس الحراري
في أحدث الإحصائيات، ترى أكاديمية علمية رائدة في بريطانيا أن التقنيات الرقمية تمثل ما بين 1.4 و 5.9 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
وتتطلب كل هذه الأنشطة عبر الإنترنت طاقة كهربائية وتثير التساؤل عما إذا كان يمكن أن تؤدي إلى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الآن وفي المستقبل. وفقًا لباحثي علوم الطاقة، فإن الصورة أكثر تعقيدا مما قد تظهر لأول مرة.
وساهمت مراكز البيانات التي تعالج وتخزن البيانات من الأنشطة عبر الإنترنت مثل البريد الإلكتروني وتدفق الفيديو بحوالي 1 في المائة من الاستهلاك العالمي للكهرباء في عام 2019 ، بحسب تحليل أجرته وكالة الطاقة الدولية.
دواعي إستخدام الطاقة المتجدّدة
وفقاً لآخر دراسة أجريت في فبراير 2020 أشرف عليها البروفيسور اريك ماسانت في جامعة نورث وسترن، تقول وكالة الطاقة الدولية إنه على الرغم من زيادة الطلب على خدمات مركز البيانات بنسبة 60٪ ، تشير التقديرات إلى أن الطاقة اللازمة لتشغيل هذا المركز ستظل ثابتة حتى 2022.
ويرى جورج كاميا الباحث في وكالة الطاقة الدولية، أن هذا يرجع إلى أنه مقارنة بالصناعات الأخرى، أصبحت مراكز البيانات بشكل عام أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتستثمر الشركات بشكل متزايد في الطاقة المتجددة لتبريد خوادمها.
ونستطيع تمثيل التبريد ما يصل إلى نصف إجمالي استخدام الطاقة لمركز البيانات ، بحسب ما ذكرته شركة Green Mountain ، يذكر أن هذه الشركة هي مركز بيانات في النرويج تستخدم الطاقة الكهرومائية من المضايق الباردة الجليدية والأنهار القريبة، يقول كريستيان جيلاند الرئيس التنفيذي لشركة Thor: تولد مراكز البيانات قدرا كبيرا من الحرارة، ويجب إزالة هذه الحرارة، أو يذوب كل شيء"، مرة أخرى، توضح هذه النقطة الكمية الكبيرة من الحرارة الناجمة عن هذه المراكز.
وتقوم واحدة من مراكز بيانات جوجل في فنلندا مياه البحر المعاد تدويرها لتوفير الطاقة اللازمة لتبريد خوادمه، بينما قامت شركات أخرى ببناء منشآت بالقرب من الدائرة القطبية الشمالية للاستفادة من الهواء البارد الطبيعي لتخفيف الانبعاثات الحرارية.
خطوط موازية تعيق المساعي العالمية
قطعت عدد من عمالقة الشركات التكنولوجية في العالم، بما في ذلك فيسبوك وجوجل وآبل وآمازون ومايكروسوفت، وعوداً باستخدام الطاقة المتجددة فقط وتحقيق انبعاثات صفرية في العقدين المقبلين، لكن تظهر الأبحاث أن التقنيات الناشئة مثل العملات الرقمية والذكاء الاصطناعي (AI) وشبكات الجيل الخامس التي تعمل بشكل جيد على تقليص الجهود المبذولة لمكافحة الاحتباس الحراري من خلال استهلاك كميات متزايدة باستمرار من الطاقة. بالمقابل وخاصة المركبات على الطرق، مسؤول عن حوالي ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وفقاً للوكالة الطاقة الدولية .
الوعي بالتأثير السلبي لاستخدام وسائل التواصل
يستدعي دور استخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية والتكنولوجيات المتنقلة والرقمية في تحولات وتبدلات المناخ جهودا وتخطيطًا من قبل المنظمات الحكومية وغير الحكومية والدولية لإعلام المواطنين؛ نوع الصور المستخدمة للإبلاغ عن تغير المناخ، والتي تنشأ من استخدام الشبكات الاجتماعية مثل واتساب انستغرام وتويتر، لها أهمية كبيرة لأنها تساعد بشكل فعال في تعزيز وتطوير وعي المواطنين على أحسن وجه.