بسم الله والحمد لله الذي هدانا للإيمان ثم الصلاة والسلام على خير الأنام محمد المصطفى وعلى آله الأخيار الأبرار.. حضرات المستمعين الأفاضل سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم القرآني (نهج الحياة) حيث سنواصل فيها بإذنه تعالى تفسير سورة الطور المباركة نشرعه بالإستماع الى تلاوة الآيتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة منها فتابعونا على بركة الله...
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ{15} اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{16}
أيها الكرام، تشير هاتان الآيتان الى التهمة التي كانت توجه إلى الأنبياء ومعجزاتهم أي السحر والتأثير على الأعين لكي ترى الواقع على غير ما هو عليه، ولذلك فإن الله، يوم القيامة، يخاطبهم بالطريقة التي تتناسب مع ما كانوا يقولون ويفعلون في الدنيا، ويُسألون هل هذه النار سحر أيضاً، أم المشكلة في عيونكم التي أعماها العناد فغشيت عن معرفة الحقيقة؟
ومما نستقيه من هاتين الآيتين المباركتين أولاً: انعدام البصيرة واعوجاجها من أسباب التكذيب وعلله.
ثانياً: يترتب على التكذيب المتواصل والمستمر، العذاب المتواصل والمستمر.
ثالثاً: عقاب الدخول في اللهو واللعب هو الدخول الى النار والخوض فيها.
ورابعاً: يخضع العقاب، يوم القيامة، لقانون العدل، ومن هنا يكون الجزاء من جنس العمل ومتناسباً معه.
أما الآن، إخوتنا الأكارم، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات السابعة عشرة حتى العشرين من سورة الطور المباركة..
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ{17} فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{18} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{19} مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ{20}
"الهنيء" في الآية التاسعة عشرة، أيها الأحبة، هو الأمر الذي لا تعب فيه ولا ألم، وهذا بخلاف لذات الدنيا ونعمها، فإنها مشوبة بكدر يقلل من جمالها وحسنها.
و"الحور العين" تركيب مؤلف من "الحور" وهي جمع حوراء، والحوَر هو السواد في العين، و"عين" جمع عيناء وهي المرأء الواسعة العين. وقد عبر عزوجل عن نساء الجنة بذكر صفتهن.
كما تشير هذه الآيات الى أن الأنس برفقة المتقين هي من النعم التي يمنّ الله بها على أهل الجنة، وقد وردت الإشارة الى هذا المعنى عدة مرات في القرآن الكريم.
كما تذكر الآيات السادسة عشرة حتى التاسعة عشرة الى العقاب والثواب لأهل النار وأهل الجنة، وبينهما تشابه وتقابل واضح؛ إذ يقول عز من قائل عن أهل النار (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ثم يشرح حال أهل الجنة بقوله (هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) مع فارق، وهو أن عقاب أهل جهنم يتناسب مع فعلهم لا يزيد ولا ينقص، وأما ثواب أهل الجنة فهو أكثر وأعظم من العفل، وذلك يستفاد من قوله تعالى "ما كنتم" بالنسبة إلى أهل النار، و"بما كنتم" بالنسبة إلى أهل الجنة.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الكريمات أولاً: المقارنة بين عاقبة المتقين وعاقبة الكافرين هي من الوسائل المؤثرة في معرفة الحق والدعوة إليه.
ثانياً: لا ينبغي للمؤمنين أن يحسبوا أن ما ينالونه من أجر وثواب، هو استحقاق على الله، وإنما هو منّ منه عزوجل، حتى لو كان مسبوقاً بالعمل الصالح.
ثالثاً: الحرية والتكريم، يرفعان من لذة النعمة يوم القيامة؛ حيث لا يقدم الطعام والشراب يوم القيامة لأهل التقوى فحسب، بل يقرن تقديمه بالتكريم والتهنئة.
ورابعاً: من الأمور التي ترفع منسوب الإحساس بقيمة النعمة والتمتع بها هو الأمن.
والآن إخوتنا الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين من سورة الطور المباركة..
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ{21} وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ{22}
كلمة "ألتنا" من اللوت، و(لاته يلوته لوتاً) تعني نقصه حقه. ومعنى قوله تعالى (وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم) أن أجرهم لا ينقص بإلحاق ذريتهم بهم.
أما "رهين" من الرهن وهو ما يوضع وثيقة للدَين.. ولما كان الرهن يتصور منه حبسه استعير ذلك لحبس أي شيء كان.
وعن الإمام الصادق عليه السلام، في قول الله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ...) أنه قال: (قصّرت الأبناء عن عمل الآباء، فألحقوا الأبناء بالآباء لتقر بذلك أعينهم)
ومما نستقيه من هاتين الآيتين المباركتين أولاً: المحور الأساس للتقييم في الإسلام هو الإيمان، لا القرابة العائلية وصلة الدم؛ حسب قوله تعالى (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ).
ثانياً: إلحاق ذرية الإنسان به يوم القيامة، من آثار أعماله في الدنيا.
وثالثاً: لا تزول الشهوة والرغبة يوم القيامة، ويختلف الناس فيما يشتهون ويرغبون فيه، فكل منهم يتناول ما يرغب ويشتهي.
أيها الأكارم، الى هنا نصل وإياكم الى ختام حلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة"..
شكراً لحسن إصغائكم وطيب متابعتكم لهذا البرنامج والى اللقاء.