الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من الصادقين بالمعنى الاعم وبالمضمون شاعر اهل البيت وشهيد الولاء المظلوم الناشئ الصغير، هو ابو الحسن علي بن عبد الله البغدادي.
هو من مواليد بغداد عام 271 هجرية، قال ابن خلكان: ان الناشئ الصغير ذهب لا خذ العلم الى الكوفة ودرس بحواضرها وصار من خيرة الشعراء والمتكلمين وكان الشاعر المعروف المتنبي وهو طفل صغير يحضر درسه ويستفيد من مجلسه وكتب من املاءه لنفسه، ودوّن هذه الابيات:
كأن سنان ذابله ضمير
فليس من القلوب له ذهاب
وصارمه كبيعته بخم
مقاصدها من الخلق الرقاب
وقد برع الناشئ من الشعر والحديث وصار في طليعة علماء الامامية ومتكلميها وفقهاءها شعراءها، وقال صاحب معجم الادباء عن الخالع قوله: كان الناشئ الصغير من المدافعين عن الامامة ويناظر عليها بأجود عبارة واستنفذ عمره في مديح اهل البيت حتى عرف فيهم واشعاره فيهم لا تحصى. ويقول صاحب معجم الادباء، قال: حدثني الخالع قال: كنت مع والدي عام 346 وانا صبي في مجلس ضخم في المسجد الذي بين سوق الوارقين والصاغة وكان المجلس غاصاً بالناس واذا برجل دخل وكأنه مسافر، بيده عصا يتكأ عليها وعليه اثار الغبار والتعب فسلم على الناس بصوت عالي وصاح انا رسول اليكم من قبل مولاتي فاطمة(ع)، فالناس سمعوا هذه الكلمة فصاحوا: اهلاً بك ومرحباً!
قال: أتعرفون احمد المزوق النائح؟
قالوا: هذا! هو بيننا .... اشاروا اليه.
قال: انت احمد؟
قال: نعم.
يبدوا ان احمد كان خطيباً ناعياً، ينعى اهل البيت.
قال: رأيت في المنام مولاتي فاطمة، فقالت: اذهب الى احمد وقل له نح على ابني بشعر الناشئ الصغير الذي يقول فيه:
بني احمد قلبي بكم يتقطع
بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
من باب الصدفة كان الناشئ الصغير حاضر هناك، وبشكل عفوي سمع هذا الحديث، فلما اخذ احمد يقرأ هذا البيت:
بني احمد قلبي بكم يتقطع
بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
فأخذ الناشئ يلطم على وجهه واحمد المزوق يقرأ:
عجبت لكم تفنون قتلاً بسيفكم
ويسطو عليكم من لكم كان يخضع
كأن رسول الله اوصى بقتلكم
واجسامكم في كل ارض توزع
ظلمتم وقتلتم وقسّم فيئكم
وضاقت بكم ارض فلم يحمى موضع
وهذا حتى ضج الجمع كله بالبكاء والنياحة الى ان صار الظهر فصلى الناس صلاة الظهر ثم جهدوا بالرجل بأن يأخذ ملاً فأبى، وقال: لو اعطيت الدنيا بأسرها ما اخذت هذا المال.
جمع العلامة السماوي رحمة الله عليه شعر الناشئ الصغير وهو يربو على الثلاثمئة بيت كلها في الائمة وال الرسول، من قصائده:
يا آل ياسين من يحبكم
بغير شك لنفسه نصحا
انتم رشاد من الضلال كما
كل فساد بحبكم صلحا
واشتهرت من بين قصائد الناشئ الصغير قصيدته البائية وهي من روائع شعره واصبحت هذه القصيدة يشار اليها بالبنان ومطلعها:
بآل محمد عرف الصواب
وفي ابياتهم نزل الكتاب
الى ان يقول:
هم الكلمات والاسماء لاحت
لادم حين عزّ له المتاب
ومنها يقول:
محبتهم صراط مستقيم
ولكن في مسالكه عقاب
ولاسيما ابو حسن علي
له في الحرب مرتبة تهاب
هو البكاء في المحراب ليلاً
هو الضراب اذا اشتد الحراب
علي الدر والذهب المصفى
وباقي الناس كلهم تراب
ويقول ايضاً:
اذا لم تبرا من اعدا علي
فما لك في محبته ثواب
واذكر هذه الملاحظة ان البعض قد سهى فنسب هذه القصيدة الى ابن العاص وهو اقل من ان ينظم شعراً كهذا، وسهى بعض من الكتاب فنسبها لابن الفارض في حين تجمع المصادر ان القصيدة كانت تقرأ وتسمع قبل عهد ابن الفارض كما يشير الى هذا المعنى العلامة الاميني ويقول ايضاً: ان الذي يحسبه ان لجملة من الشعراء قصيدة متشابهة او مشابهة لهذه القصيدة في الوزن والقافية او ربما حرفت بعض ابياتها واستعيرت بهذه القصيدة، عموماً ان هذه القصيدة نالت مقاماً كبيراً وتردد في مختلف المناسبات سنوياً ومن الشعر الذي لا يمل.
وفي الختام اقول ان هذا الشاعر البطل، العالم المتبحر استشهد في الخامس من شهر صفر عام 365 هجرية وسبب استشهاده هو تصلبه المعلن في ولاء اهل البيت وشعره فيهم، وحاول البعض من الطغاة استدراجه في ان يقول في بعض الجيف شعراً او يمدح بعض الظلمة والطغاة فرفض وكان يصر على ان شعره يقتصر فقط على اهل البيت وهذا نابع من اعتقاده، هذا السبب كان هو وراء ذلك العداء وبالتالي احرقوه بالنار حياً ولم تسلم مكتبته وبيته واثاره من الغارات وحتى قبره فذكر المؤرخون انه عام 443 هجرية اعتدى على قبره ونبش واحرقت تربته ضمن الحملة المشؤومة على آثار اهل البيت وقبورهم ومشاهدهم وبددت تلك التربة لالا يبقى اثر لقبر هذا الشاعر البطل، تفكير خصوم اهل البيت ان القبر يبقى مناراً ويبقى دليل وشمعة، لما يمر الزائر والسائح ويسأل هذا قبر من؟ لماذا دفن؟ لماذا هنا؟
لذلك ضمن الحملة المسعورة ضيعت قبور امثال هؤلاء الابطال فانا لله وانا اليه راجعون.
تغمده الله برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******