بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم وأنتم برفقتنا وبرنامجكم القرآني "نهج الحياة" .. حيث سوف نقدم لحضراتكم من هذه الحلقة من البرنامج بإذن الله تعالى تفسيراً ميسراً لآيات سورة "ق" المباركة.
--فاصل--
أيها الكرام، سميت سورة "ق" بهذا الإسم بالنظر الى حرف القاف الوارد في مطلعها.
والمحور الأساس لهذه السورة، كما لأكثر السور المكية، هو مسألة المعاد وبيان مصير الأمم السابقة، وشرح مصير أهل الصلاح وأهل الفساد.
أما الآن، أيها الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين الأولى والثانية من سورة "ق" المباركة..
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ{1} بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ{2}
أيها الأطائب، تبدأ هذه السورة بحرف القاف، وكما قلنا سابقاً المعنى الذي ترمي إليه الحروف المقطعة هو الإشارة الى إعجاز القرآن الكريم، من جهة أنه مؤلف من حروف الهجاء المعروفة، ومع ذلك يعجز المشركون عن الإتيان بمثله؛ ولذلك نرى أن الله سبحانه بعد حرف القاف يقسم بالقرآن المجيد.
وهنا تشير الآية الثانية الى تعجب المشركين إذ تعجبوا أن جاءهم منذر منهم.
ومما نتعلمه من هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: من أراد المجد والعظمة عليه أن يعود الى القرآن ويقبل عليه.
ثانياً: غير العاقلين يرون المنكر معروفاً والكمال نقصاً؛ وكون الرسول من جنس المرسل إليهم ومن بينهم أمر حسن يتناسب مع الحكمة الإلهية؛ ولكن الكفار يرون فيه أمراً عجيباً.
ثالثاً: من الأمور المهمة التي تقع على عاتق الأنبياء وتدخل في مهامهم إنذار الناس وتحذيرهم.
ورابعاً: المنطق الذي يستند إليه الكفار عبر التاريخ هو إثارة التعجب والإستغراب.
--فاصل—
أما الآن، أيها الأحبة، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الثالثة حتى الخامسة من سورة قاف المباركة..
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ{3} قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ{4} بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ{5}
مراد الكفار في الآية الثالثة من استبعاد الرجوع، إخوتنا الأفاضل، هو البعد بحسب العقل والعادة؛ أي إن عقولهم تستبعد عودة الإنسان الى الحياة بعد موته، وهذا يكشف عن عجزهم عن إثبات استحالة العودة الى الحياة بالدليل؛ ولذلك لجأوا الى الإستبعاد.
وكلمة "مريج" في الآية الخامسة، تتضمن معنى الإختلاط والتشويش، كما في قوله تعالى في سورة الرحمن "مرج البحرين يلتقيان". وقد استعملت هذه الكلمة بصيغة الصفة المشبهة فقط في القرآن، للدلالة على دوام هذه الحيرة التي يصاب بها الكافرون.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركات أولاً: التذكير بالمعاد والحياة بعد الموت، من المحاور الأساس في دعوة الأنبياء.
ثانياً: على المؤمنين والدعاة الى الله عدم تجاهل الشبهات، بل لابد من التوقف عندها وتقديم الحلول والأجوبة الواضحة عنها.
ثالثاً: يتم الله الحجة على الكفار قبل أن يحكم عليهم.
ورابعاً: منشأ الإضطراب والحيرة إنكار الحق والتكذيب به، كما أن منشأ الإطمئنان والهدوء ذكر الله والإيمان به.
--فاصل--
إخوتنا الأكارم، في هذه اللحظات وضمن برنامجكم "نهج الحياة" نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآيات السادسة حتى الثامنة من سورة قاف المباركة..
أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ{6} وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{7} تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ{8}
مستمعينا الكرام، تتحدث الآية السادسة في رد الشبهة التي أثارها الكافرون حول المعاد فتبين الآية قدرة الله الواسعة من خلال الإشارة الى مظاهر قدرته في السماء والأرض.
وما نتعلمه من هذه الآيات الكريمات أولاً: الطبيعة هي مدرسة معرفة الله عزوجل.
ثانياً: على الداعي أن يدعو الى الله من خلال الإشارة الى النماذج والأمثلة، فالله سبحانه في هذه الآية يثبت إمكان المعاد من خلال الإشارة الى مظاهر قدرته في السماء والأرض.
ثالثاً: يستحق الذين لا يتأملون في خلق الله، ثم يستنكرون المعاد، اللوم والتأنيب.
رابعاً: العالم كله محكوم لنظام لا محل فيه لخلل.
وخامساً: المتانة والجمال صفتان من صفات خلق الله في السماء والأرض.
--فاصل—
أحبتنا الكرام، بهذا نصل وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. فحتى الملتقى في حلقة أخرى نستودعكم الله ونسألكم الدعاء.