الحمد لله العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من مصاديق طليعة الصادقين هو احد عظماء الاسلام المرحوم ابو جعفر الطوسي شيخ الطائفة نور الله مضجعه، محمد بن الحسن بن علي الطوسي(رض).
عندما نخرج من صحن الامام امير المؤمنين(ع) من الباب المعروفه بأسمه باب الطوسي، هناك مسجد شهير وعظيم بالنجف وهو على مقربة امتار من الصحن المبارك، هذا المسجد اسمه مسجد الطوسي، باب الصحن ايضاً تسمى باسم هذا العالم العظيم الشيخ الطوسي. هذاا المسجد هو بيت الشيخ الطوسي شيخ الطائفة اساساً وهو مثوى هذا العالم العلم ومزاره وقبره هناك.
ابو جعفر الطوسي هو شيخ الطائفة، الشيخ الطوسي(رض) هو من مواليد طوس في ايران وطوس هي مشهد الامام علي بن موسى الرضا(ع) فالرجل هذا العظيم بدايته من علي ونهاينه عند علي، بدايته من جوار علي بن موسى الرضا ونهاية حياته جوار الامام علي بن ابي طالب(ع).
الشيخ الطوسي(رض) من مواليد مدينة طوس وسميت المدينة باسم باينها وهو طوس بن شاهين على اساس مصيف وبعد ذلك تطور وضعها وصارت من العتبات المقدسة ببركة مثوى الامام الرضا(ع).
ولد في طوس في شهر رمضان عام 385 هجرية وحياته غنية بالفضائل والمكارم والعطاء الضخم على مختلف الاصعدة خصوصاً في مجال تراث اهل البيت وفي مجال نشر علوم اهل البيت، حياته مرت بثلاثة مقاطع، المقطع الاول منها قضاه في مدينة طوس بدايات تحصيل العلم حوالي عشرين سنة واكثر بقليل ثم انتقل من هناك الى مدينة بغداد وهو المقطع الثاني من حياته والمقطع الثالث انتقاله من بغداد الى النجف الاشرف. الشيخ الطوسي هو اعظم شخصية على المستوى العلمي بعد الائمة(ع) واشتهر بالاصول والفقه ومن بناة علم الاصول والتفسير وعلم الكلام وعلم الحديث والادب والتاريخ وغير ذلك.
لا نمتلك معلومات عن عطاءه وممارسته الدور العلمي في طوس لكن اثناء اقامته في بغداد التي قضى فيها قرابة ثلاثين عاماً كانت هذه الفترة حافلة بأوسع العطاءات العلمية، وقال عنه المؤرخون والكتاب بأنه حينما كان في بغداد ملأ الدنيا صيته وارتبط به الكثير من الاعلام ومشاهير الكتاب وفي طليعتهم الشيخ المفيد والشريف المرتضى، وكان الشيخ الطوسي يرتبط بهما على اساس التلميذ ينتهل من غزارة علمها وبالخصوص الشريف المرتضى واثناء تواجد الشيخ الطوسب في بغداد كتب هناك القيم العظيم وهو التهذيب، في الواقع كتاب التهذيب لما نمر به اساساً شرح لنظريات الشيخ المفيد على اساس انه استاذه فكان يستلهم ابشيخ الطوسي نظريات الشيخ المفيد ودونها مع التعليق والشرح واسماه كتاب التهذيب وانتهل ايضاً من مناهل الشريف المرتضى وبعد ذلك لما ارتحل الشريف المرتضى(رض) عام 436 هجرية اصبح بعد زعيم الطائفة بشكل عام هو الشيخ الطوسي واصبح مرجعاً عاماً للامامية في العالم كله، المتخصصين في ترجمة هذا الراحل العظيم لما رجعوا الى الاكياس من الاوراق والوثائق والمكاتيب اكتشفوا فيها ان الشيعة وغير الشيعه من مختلف نقاط العالم الاسلامي وحتى من بلدان اخرى احبار وغير احبار، قساوسة ايضاً كانوا يراسلونه في مسائل تتعلق بعلم الكلام، بعلم الاصول، في نقاشات علمية وغيرها يستوحي الكتّاب من ذلك انه كان مرجعاً لعموم الشيعة في العالم كله، وفي بغداد كان له مشروع علمي ضخم هناك شكل مدرسته العلمية وانضم اليها اكثر من ثلاثمئة طالب من مختلف البلاد الاسلامية ومن عموم المذاهب واستطاع ان يربي نخبة كبيرة من التلاميذ والعلماء وكان كل واحد منهم ينبوع من ينابيع العلم.
بعد هذا حدثت هناك فتن ولست بصدد الحديث عنها ولكن اجمالاً اقول هاجم السلاجقة بغداد وهؤلاء معروفون بوحشيتهم وفوضويتهم وحقدهم على التشيع، ومروا مادمروا واتلفوا ما اتلفوا واحرقوا ما احرقوا وقتلوا من قتلوا وطالت هجمتهم منزل الشيخ الطوسي ومكتبته العامرة العظيمة فأحرقوها ودمروها تدميراً كاملاً وعلى اثر ذلك اصيب الشيخ الطوسي بمرض عضال نتيجة الصدمة النفسية، تبدد وتلف هذا التراث الذي قدم من اجله حياته وسهر الاف الليالي، واخيراً اضطر شيخ الطائفة ان يهاجر الى النجف الاشرف عام 460 هجرية واختار جوار الامام اميرالؤمنين وهذا له معنى خاص ومعروف ان تلاميذ افلاطون لما كانت تستعصي عليهم مسألة علمية يأتون الى قبره بأعتبار ان الروح دائماً تجاور محل دفن الجسد فتلاميذه كانوا يفسرون عملهم هذا بأن روح افلاطون تمدهم بالعلم وتساعدهم وتغطيهم بالفيض، كيف بالامام امير المؤمنين وهو باب مدينة العلم، علم الرسول "انا مدينة العلم وعلي بابها" علي الذي هو كنوز علم رسول الله(ص) فاختار الشيخ الطوسي انطلاقاً من هذا المعنى جوار الامام علي بن ابي طالب وانشأ هناك وجوداً علمياً، اجتمع اليه جماعة من الطلبة واختار منزلاً بسيطاً وهو الان مسجد الشيخ الطوسي، الحياة انذاك صعبة في النجف، ماءها مر، طعامها خشن، المقولة الشعبية "ماء بير، خبز شعير وجوار الامير" فأتسعت مدرسة الشيخ الطوسي في النجف واخذت تتقدم يوم واختصاراً قدم الشيخ الطوسي اكثر من اربعين عالماً مجتهداً من بين تلاميذه العديدين كما قدم تراثاً علمياً ضخماً وزادت مؤلفاته عن الخمسين مؤلفاً في تمام العلوم ومختلفها، في الثاني من عشرين من محرم الحرام عام 460 توفي الشيخ الطوسي عن عمر ناهز الخامسة والسبعين سنة في النجف وبوصية منه دفن في بيته وبوصية منه تحول بيته الى مسجد واصبح الان مسجده من اشهر المساجد وفيه مزاره يأمه الناس وعرف بأسمه وهو مؤسس الحوزة العلمية في النجف، نسأل الله له الرحمة والرضوان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******