بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، حضرات المستمعين الأفاضل سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة جديدة من برنامج "نهج الحياة" وتفسير ميسر آخر من آي القرآن الكريم حيث نبدأ من هذه الحلقة تفسير سورة الجاثية المباركة فكونوا معنا على بركة الله..
---فويصل---
أيها الأحبة، سورة الجاثية، سورة مكية وعدد آياتها سبع وثلاثون آية، إسم هذه السورة مأخوذ من الآية الثامنة والعشرين منها، والجاثي هو من يجلس على ركبه.
كما ورد في الآية الأولى وفي الآية الأخيرة من هذه السورة وصف الله تبارك وتعالى بأنه عزيز حكيم.
أكثر مضامين هذه السورة ترتبط بعظمة القرآن، أدلة التوحيد، الرد على الماديين، ذكر قصص بعض الأمم السابقة، إنذار الضالين، الدعوة الى العفو والصفح وإشارات إلى بعض مواقف القيامة.
والآن نستمع الى تلاوة الآيات الثلاث الأولى من سورة الجاثية المباركة:
بسم الله الرحمن الرحيم
حم{1} تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{2} إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ{3}
أيها الأفاضل، تشير هذه الآيات الى أن الله حكيم وكتابه حكيم ونبيه (ص) معلم الحكمة أيضاً، كما تشير الى أن كتاب الله أمام أعين الناس جميعاً، ولكن من يهتدي به هم المتقون فحسب، ومن يهتدي بالتفكير في خلقه هم المؤمنون لا غير.
وما يمكن الأخذ من هذه الآيات أولاً: بعثة الرسول (ص) وإنزال الكتاب من أعظم النعم الإلهية، ولذا ورد التعرض لهما قبل التعرض لنعمة خلق السموات والأرض.
ثانياً: مبدأ نظام التكوين ونظام التشريع واحد، وبينهما كمال الإنسجام.
وثالثاً: في صفحات كتاب الطبيعة آيات للمؤمنين كما في القرآن الكريم.
أما الآن، مستمعينا الكرام، ننصت خاشعين لتلاوة الآيات الرابعة حتى السادسة من سورة الجاثية:
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ{4} وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{5} تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ{6}
أيها الأحبة، تتعرض الآيات الثالثة حتى الخامسة لبعض مظاهر الخلق، وفي ختام كل آية منها، تجعل المخاطب بها فئة من الناس؛ فتارة أهل الإيمان، وأخرى أهل اليقين، وثالثة أهل التعقل. ولعل ذلك لأن طريق الإيمان لا ينفصل عن طريق العقل، وهما معاً يوصلان الإنسان الى اليقين.
نعم، في خلق الإنسان والدواب أمور دقيقة وواسعة؛ والدقة والتأمل فيها من موجبات اليقين.
وما تعلمه إيانا هذه الآيات أولاً: التفكير في عالم الوجود طريق الوصول الى اليقين.
ثانياً: السماء هي باب رزق الإنسان.
ثالثاً: وفر الله عزوجل أسباب المعرفة للإنسان لكي تتم الحجة عليهم.
رابعاً: الآيات الإلهية تقوم على أساس الحق، ولا طريق فيها للكلام الواهن، أو الخرافة أو المبالغة.
وخامساً: من يسمع آيات الله تعالى ولا يهتدي بها، ليس ذلك منه بسبب غموض أو إبهام آيات الله بل لمرض في نفسه.
والآن، إخوتنا الأكارم، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات السابعة حتى التاسعة من سورة الجاثية المباركة:
وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ{7} يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{8} وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ{9}
كلمة "أفاك"، عزيزي المستمع، جاءت من الإفك وهو الشخص الكثير الكذب، والأثيم من الإثم وهو الشخص الكثير الذنب.
و"ويل" كلمة للثبور بمعنى الهلاك، وقد تكررت في القرآن الكريم سبع وعشرون مرة.
وما تعلمه إيانا هذه الآيات أولاً: لابد من إيصال نداء الحق الى مسامع الجميع حتى الضالين.
ثانياً: التبليغ أولاً ثم التهديد، فالقرآن الكريم يتوعد بالهلاك الأبدي من سمع آيات الله أولاً.
ثالثاً: الأسوأ من تجاهل الحق هو الإصرار عليه وروح الإستكبار.
ورابعاً: بما أن في الإستهزاء إهانة، كانت عقوبة المستهزئين عذاب الذل.
إخوة الإيمان، بهذا وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" راجين أن قد نالت رضاكم وشاكرين لكم حسن متابعتكم وإصغائكم؛ فحتى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.