الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على آله الطيبين الطاهرين.
احد مشاهير الصادقين وهو من رواة حديث اهل البيت(ع) ومن حفاظ الحديث ايضاً، ابو سعيد أبان بن تغلب كان من حفاظ القرآن، هذا الرجل وفي عهده لم يوجد اقرأ منه للقرآن يعني فصاحة وتلاوة وكان ابان بن تغلب عظيم المنزلة عند الائمة بالخصوص عند ثلاثة من الائمة عاصرهم كالامام السجاد(ع) والامام الباقر(ع) والامام الصادق(ع).
بالاضافة الى ما ذكرت من صفاته هذا الرجل اناط به الامام الصادق مهمة الافتاء في المسجد النبوي لان المسجد النبوي كما تعلمون هو مسجد وهو جامعة وهو محكمة وهو مركز لقيادة العمليات في عرف الاسلام، في ثقافة الاسلام، المسجد لا ينحصر امره بالصلاة فقط النبي(ص) في المسجد يفتي ويقضي، يعطي الاوامر ويوجه العمليات وهو بنفس الوقت يساعد هذا وذاك.
فالمسجد النبوي كان محطة توافد الوفود من مختلف الامصار، وكانت بعض الوفود تأتي لهذا الغرض فقط لتحصل على اجوبة شافية وحلول بالنسبة الى العقائد، الحلال، الحرام على ضوء فكر اهل البيت(ع)، فكان الامام الصادق(ع) احياناً يحضر بنفسه واحياناً عندما يسافر تكون لديه مهام اخرى ينيط الامر برجل يعلق عليه الامل يعني يحرز فيه الكفاءة في هذا الموقع فأناط الامام الصادق بأبان بن تغلب مهمة الافتاء وكانت تأتي وفود المؤمنين ويسألون هذا الرجل في مختلف الفنون وهو كان يجيبهم يقول له الامام: يا ابان اجلس في المسجد وافتي الناس فأني احب ان يرى في اصحابي مثلك، بمعنى ان الامام يبتهج به كتلميذ نظيف وتلميذ مؤهل.
هذا الرجل ابان بن تغلب كان بارعاً في كل فن في الفقة، في اللغة، في علم الرجال، في علم الدراية، في علم النحو، في علم الادب.
يقول حفيده عن ابيه ينقل وهو محمد بن ابان، يقول: دخلت المدينة مع ابي وسرنا مع الامام الصادق(ع) فما ان بصر الامام بأبي وطبعاً الموقف كثيرين موجودين فنهض الامام الصادق وعانق ابي وقبله وصافحه.
ويحدث عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس ابان بن تغلب فدخل شاب وقال يا ابا سعيد «يخاطب ابا ابان» كم شهد علي بن ابي طالب من اصحاب النبي؟ يعني كم واحد الذين شهدوه من الصحابة؟ فقال له ابان: كانك تريد معرفة الامام علي بمن تبعه؟ يعني تريد ان تقيم الامام امير المؤمنين عن طريق فلان وفلان بأستنكار وامتعاض، كأنك تريد معرفة الامام بمن عرفه من اصحاب رسول الله؟
قال: بلى والله.
قال ابان: والله ما عرفنا فضلهم الا بأتباعهم اياه، يعني يمكن ان نقيم الرجل من خلال معرفة الامام علي لهم لا معرفته للامام امير المؤمنين بل لا تباعه لامير المؤمنين تقيم ان هذا الصحابي نظيف اولا، او هذا صحابي حق اولا، واقعاً جواب شافي، والله ما عرفنا فضلهم الا بأتباعهم اياه، يعني الصحابي المفضل هو الذي تبع امير المؤمنين، ثم قال ابان مخاطباً ذلك الشخص: يا هذا اتدري من الشيعة؟ الشيعة الذين اذا اختلف الناس عن رسول الله اخذوا بقول علي بن ابي طالب واذا اختلفت الناس عن علي اخذوا بقول جعفر بن محمد الصادق.
طبعاً هذا واضح لا يريد ولا يحتاج الى توضيح، يعني كأنه يريد ان يزرع هذا المعنى في ذهن هذا الرجل، ان اذا صار عندك اضطراب في الاقوال، تضارب بالاحاديث فأنت تأخذ الحديث الصحيح، حديث رسول الله من علي بن ابي طالب وتنجو من اي اضطراب وقلق، اما اذا صار اضطراب في احاديث الامام علي فمن الذي يخرجك من هذا الاضطراب هو الامام الصادق(ع) واحياناً نفس الحديث يختلف هذا وذاك في منطوقه او في موضوعه او في محموله، من الذي يعطينا المعنى الطبيعي للحديث هو الامام الصادق، يقول له اتدري من الشيعة؟ الشيعة الذين اذا اختلفت الناس عن رسول الله اخذوا بقول علي واذا اختلفت الناس عن علي اذا هم بعيدين عن النبي يأخذون بقول امير المؤمنين واذا كانوا بعيدين عن علي اخذوا بقول الامام الصادق(ع).
طبعاً كانت هناك بعض الزمر وربما كانت مدفوعة من بعض الجهات كانوا يضايقون ابان بن تغلب حتى انه تقول الروايات مر ذات يوم فسمع قوماً يعيبون عليه حديثه طبعاً مجمل احاديثه عن الامام الصادق او عن الامام الباقر او عن الامام زين العابدين، فهو مر سمع يعيبون عليه حديثه عن الامام الصادق، فقال اتلومونني في رجل ما سألته الا وقال، قال رسول الله لان الائمة حديث آخرهم حديث اولهم، حديث اولهم حديث اوسطهم وبالتالي كل منهم ما قاله هو حديث رسول الله.
يقول اتلومونني في رجل ما سألته الا وقال، قال رسول الله(ص). ويروي سليم بن حبة في رواية: مررت في المدينة وزرت الامام الصادق(ع) وحينما ودعته قلت سيدي احب ان تزودني «تغنيني بالمعلومات وبالحديث» فقال: أئت اباناً، اذا تريد دائماً تتزود بعلمي أئت أباناً فأنه سمع مني حديثاً كثيراً فما رواه لك وارويه عني، يعني هذا ثقة وكل ما يقول عني هو مقبول، نلاحظ مثلاً الذهبي في ميزان الاعتدال يتحدث عن هذا الرجل يقول انه شيعي ويستدرك بعد ذلك يقول انه شيعي جلد وصدوق يعني صادق، كذلك مدحه ابن عيينة، مدحه بالفصاحة والبيان وبالمعلومات الاخرى، وطبعاً هو عنصر يعاصر ثلاثة من الائمة، هذه على اي حال جنبة لها معني كبير وهذه حسنة وصفة عالية، لذلك كان يدون ابان بن تغلب وطبعاً هذه التوصية كانت من الائمة، بخصوص الامام الصادق كان يأمر اصحابه اكتبوا، ما دخل عليه احد من اصحابه الا وقال اكتب علمك وبثه في اخوانك فأنه يأتي على الناس زمان لا يأنس الناس الا في كتبهم، في رواية يأتي على الناس زمان فيه فتن لا يأنس الناس الا في كتبهم، فكان يدون ابان ما سمعه من الائمة وبالخصوص من الامام الصادق وطبعاً لم نعثر ومن كتب عنه وعن سيرته لم يذكروا اكثر من ستة او سبعة من مؤلفاته في الاصول، في التفسير، في التاريخ وربما هناك مؤلفات اخرى ضاعت او دمرت في ظل الحملات المسعورة التي استهدفت القضاء على تراث اهل البيت.
هذا الصحابي الجليل او التابعي الجليل، هذا الرجل البطل في ميدان العلم وفي صعيد الحديث توفي سنة 141 هـ في عهد الامام الصادق(ع).
وفي الواقع احدثت وفاته هزة في مجتمع المسلمين وقال الحفاظ والرواة بأنه ترك فراغاً كبيراً وحينما علم الامام الصادق(ع) بأمر وفاته حزن حزناً شديداً، وكان يردد هذه الكلمة: «رحم الله اباناً، لقد اوجع قلبي موته» لماذا؟ طبيعة الحال لان الامام خسر عنصراً كان له هذا الدور وكان له ذلك المجال.
نسأل الله ان يرجمه بواسع رحمته وان يوفقنا للاقتداء بسيرته وسيرة اساتذته الائمة الطاهرين.
*******