الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء وخاتم المرسلين وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.
سئل الامام جعفر الصادق(ع) ذات يوم عن قول الله تعالى في سورة الحمد «اهدنا الصراط المستقيم» فقال الامام(ع) معناه ارشدنا الصراط المستقيم ارشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبتك والمبلغ الى جنتك من ان نتبع اهواءنا فنعطب او نأخذ بآراءنا فنهلك فان من اتبع هواه واعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه. فاحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لا نظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد احدق به خلق من غثاء العامة، ثم يستمر الامام قائلاً فوقفت في ناحية مغشياً بلثام انظر اليه واليهم فمازال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر. فتفرقت العوام عنه لحوائجهم وتبعته انا اثره، فلم يلبث ان مر بخباز فتغفل الخباز فاخذ من دكانه رغيفين سرقة فتعجبت منه.
ثم قلت في نفسي لعله معامله ثم مر من بعد ذلك بصاحب رمان كان يبيع رمان فمازال به حتى تغفله وعلى غفلة منه اخذ منه رمانتين سرقة فتعجبت منه. ثم قلت في نفسي لعله معامله وبينه وبين هذا البقال حساب كما ان بينه وبين الخباز حساب، ثم قلت لماذا اذا كان حساب لماذا ينتشل او انتشل الخبز والرمان من مكانهما واخذهما سرقة وغفلة. فأتبعته ولم ازل اتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فأتيته وقلت له متعجباً يا عبد الله لقد سمعت بك فاحببت لقاءك فلقيتك ووجدت احتفاء الناس بك وتبركهم بك وماشاكل ذلك لكن رأيت منك ما شغل قلبي واني سائلك به ليزول شغل قلبي قال ما هو قال له الامام رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ثم بصاحب الرمان فأخذت منه الرمانتين فقال لي قبل كل شئ حدثني من انت قلت له رجل من ولد آدم من امة محمد(ص). حدثني ممن انت من اي قبيلة قلت رجل من اهل بيت رسول الله(ص). قال اين بلدك قلت المدينة قال لعلك جعفربن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب. قلت بلى قال لي فما ينفعك شرف اصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك وابيك قلت وما هو قال القرآن، كتاب الله قلت وما الذي جهلت منه قال قول الله عزوجل من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزا الا مثلها واني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين لان كل سيئة لها جزاء واحد ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه اربع سيئات ولما تصدقت بكل واحدة منها كانت اربعين حسنة المجموع اربعين حسنة فأنتقص من اربعين حسنة اربع حسنات بقي لي ست وثلاثون حسنة.
فقال الامام الصادق له ثكلتك امك انت الجاهل بكتاب الله اما سمعت الله عزوجل يقول انما يتقبل الله من المتقين انك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ولما دفعتهما الى غير صاحبهما بغير اذن وامر صاحبهما كنت انما اضفت اربع سيئات الى اربع سيئات. ولم تضف اربعين حسنة الى اربع سيئات هذه القصة هذه الحكاية التاريخية الواقعية تدلنا على اشياء عديدة وعميقة اولاً تدلنا على معنى هذا الذكر القرآني الذي ينبغي ان نكرره كل يوم عشر مرات او اكثر من عشرة مرات وهو قوله تعالى من سورة الحمد «اهدنا الصراط المستقيم» لعل هناك من يقول الم نهتدي نحن الى الصراط المستقيم وهو الاسلام فما معنى ان نكرر هذه الكلمة بعد ان نحن اهتدينا الى الصراط المستقيم وهو الاسلام ألسنا نحن في الصراط المستقيم أليس الاسلام هو الصراط المستقيم.
ولكننا نجد ان الامام يفسر تفسيراً عميقاً لهذه الآية يعطينا تفسيراً عميقاً لهذه الآية فهو يقول ارشدنا الصراط المستقيم ارشدنا الى لزوم الطريق المؤدي الى محبتك المبلغ الى جنتك ثم يوضح هذا قائلاً ارشدنا لأن لا نتبع اهواءنا فنعطب او نأخذ بآراءنا فنهلك، الانسان معرض دائماً للهوى حتى لوكان مؤمناً مسلماً:
نفسي وشيطاني ودنيا والهوى
كيف الخلاص وكلهم اعدائي
ولهذا فاننا نحتاج الى الهداية باستمرار طبعاً اكبر هداية هي الهداية الى الدين ونحن نحمده عليه لانه هدانا اليه ولولانا لما اهتدينا اليه ولكننا نحتاج الى هدايات اخرى مستمرة وذلك عندما يغالبنا الهوى ويحاول ان يشط بنا عن طريق الحق ولهذا فاننا نحتاج الى هداية مسترة وهذا تفسير لانجده الا في مدرسة اهل البيت(ع) لانهم وفي طليعتهم رسول الله(ص) في ابياتهم نزل الوحي وفي رحابهم صدح جبرئيل بهذه الحقائق وصدع بها ولذلك هم من الذين خوطبوا بالقرآن الكريم وهم الذين استلهموا هذا العلم من جدهم رسول الله ومن عنايات الله بهم ثم الامام يدلنا على هذا المعنى العميق الذي فسر به قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم بقصة الخصها بعد ان قرأت النص لكم. وهي ان هناك رجلاً كان الناس يظنون انه من الاتقياء من الابرار يحتفون به يتبركون به، الامام سمع به فأتى ليرى من هو لماذا الناس يحتفون به ما هي احواله فشاهد الامام هذا المنظر وهو احتفاء الناس به والتفافهم حوله ثم كيف انه هرب منهم بشكل ما مراوغة ثم اتى هذا الرجل الذي كان له ظاهر الانسان المتعبد المتهجد المتقي الورع فوجده الامام يسرق قرصين من الخبز ورمانتين غفلة من صاحبيهما. وقد تعجب الامام من هذا كيف هذا يسرق وهو الذي كان يحتف به الناس لدينه ولتقواه وورعه. كما ظهر لهم ذلك ثم تابعه حتى وجده يعطي هذين الرمانتين والرغيفين الى مريض وفقير فاخذه الامام وقال له كيف هذا هل انت اخذت هذه الاشياء من صاحبها بأذنهم بعلمهم. قال لا قال اذن انت سارق قال صحيح انا سرقت هناك اربع سيئات تحملتها ولكن لما انفقتها حصلت على اربعين حسنة. لان كل عمل طيب له عشر حسنات عشر امثالها. الامام قال له ويحك تسرق وتتصدق ألم تسمع قول الله تعالى قال انما يتقبل الله من المتقين لا من كل احد. فانت حملت وزراً الى وزر اربع سرقات واربع انفاقات من غير اذن اهلها هذه ثمان سيئات ولم تكتسب اي حسنة من هذا الامر.
يتضح شئ آخر وهو ان اهل البيت كيف يعلمون تفسير القرآن بالشكل الصحيح وهذا يدل على احاطتهم بعلم القرآن وبمنطق القرآن ونظرتهم الشاملة الجامعة وكيف ان البعض يتصور انه يفهم القرآن يعلم القرآن ولذلك نجد حتى بعض المجسمة بعض المشبهة يتمسكون بالقرآن ويستدلون بآياته نظراً لا نهم لا يعلمون القرآن بالصورة الكاملة ولا يحيطون به وبآياته ومقاصده فهذا هو منهج اهل البيت(ع) قال الله عنهم واصفاً اياهم بالصدق قال: «يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين».
جعلنا الله مع الصادقين في الدنيا والآخرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******