الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء و المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
جاء رجل الى الامام جعفر الصادق(ع) فقال له انجو بنفسك يا بن رسول الله فهذا فلان بن فلان قد وشاك الى المنصور وذكر انك تأخذ البيعة لنفسك على الناس لتخرج على العباسيين وقد غضب المنصور لذلك وهو يقصد الايقاع فيك وايذاءك، فتبسم الامام(ع)في ثقة كبيرة واطمئنان عجيب وقال: يا عبد الله لا ترع ولا تخف فان الله تعالى اذا اراد فضيلة كتمت او جحدت ان تظهر وتبدو للجميع اثار عليها حاسداً باغياً يحركها حتى يبينها، اقعد معي حتى يأتيني اعوان المنصور فتمضي معي اليه حتى تشاهد ما يجري من قدرة الله تعالى التي لا معزل عنها لمؤمن ولا مفر عنها لاحد يؤمن بالله ويؤمن بقدرته.
فجاء اعوان المنصور يطلبون الامام الصادق يريدون اخذه الى المنصور الذي غضب لما سمع من الاخبار والدعايات الكاذبة بان الامام يحرض الناس عليه ويجمعهم للانقلاب ضده وقالوا لهم اجب امير المؤمنين، فخرج الامام الصادق ودخل على المنصور في قصره وقد امتلئ المنصور غيظاً وغضباً فقال له في حدة وغلظة وفي غضب: انت الذي تأخذ البيعة لنفسك على المسلمين تريد ان تفرق جماعتهم وتسعى في اهلاكهم وتفسد ذات بينهم؟
وقال الامام الصادق(ع) في رباطة جأش وشجاعة وسكينة: ما فعلت شيئاً من هذا، فقال المنصور فهذا يذكر بان فعلت! فقال الامام(ع) انه كاذب! فقال المنصور: اني احلفه ان حلف كيفت نفسي مؤنتك، فقال الصادق(ع): انه حلف كاذباً باء بأثم ثم قال المنصور لحاجبه: حلف هذا الرجل على ما حكاه عن هذا ويقصد الصادق(ع) وما وشى به على هذا الامام، فقال الحاجب لذلك الرجل الواشي الخبيث قل والله الذي لا اله الا هو وجعل يغلظ عليه اليمين ويذكر اسماء الله وصفاته الحسنى وصفاته الحسنى في اليمين ويأمره بان يحلف بالله هكذا، فقال الصادق(ع) لا لاتحلفه هكذا فاني سمعت ابي يذكر عن جدي رسول الله(ص) انه قال:"ان من الناس من يحلف كاذباً فيعظم الله في يمينه ويصفه بصفاته الحسنى فتعظيمه لله على اثم كذبه ويمينه فيؤخر عنه البلاء ولكني احلفه باليمين التي حدثني ابي عن جدي رسول الله(ص) انه لا يحلف بها حالف او لا يحلف بها حالف الاباء بأثمه واصابه من الله هلاك".
فقال المنصور: فحلفه اذن يا جعفر كما تريد فقال الامام الصادق لذلك الرجل الواشي: "قل ان كنت كاذباً عليك فقد برئت من حول الله وقوته ولجئت الى حولي وقوتي" فقالها الرجل وحلف كما ذكر الامام الصادق اي قال: "ان كنت كاذباً عليك فقد برئت من حول الله وقوته ولجئت الى حولي وقوتي".
فقال الصادق(ع): اللهم ان كاذباً فامته فما استتم ذلك الرجل كلامه حتى سقط ميتاً واحتمل ومضى فاقبل المنصور على الامام الصادق واعتذر اليه وسأله عن حوائجه ليقضيها له فقال الامام: مالي حاجة الا ان ارجع الى اهلي سريعاً فان قلوبهم خائفة من اجلي ومتعلقة بي فقال ذلك اليك اي حاجتك مقضية فافعل ما بدا لك، فخرج الامام الصادق من عند المنصور العباسي مكرماً معززاً قد تحير منه المنصور وهنا قال جماعة من الناس ان هذا الرجل ما مات الا لان الموت فاجئه ولم يكن موته بسبب ما سمع وبسبب حلف واليمين وجعل الناس يخوضون في امر ذلك الميت وينظرون اليه فلما استوى على سريره جعل الناس يخوضون فمن ذام له وحامد اذا قعد على سريره وكشف عن وجهه فجأة احياه الله فقعد على سريره، وقال ايها الناس اني لقيت ربي فلقاني السخط واللعنة واشتد غضب زبانيته عليّ بسبب ما كان مني مع الامام جعفر الصادق فاتقوا الله ولا تهلكوا فيه كما هلكت فعاد كفنه على وجهه وعاد في موته فرأوه لا حراك فيه ميت فدفنوه.
ان لنا في هذه القصة ايها الاخوة نقاط تبعث على التأمل والتدبر اولاً الامام الصادق كما لاحظنا في هذه القصة وهو يؤمن بقدرة الله يؤمن برحمة الله ولطفه ومساعدته لمن امن به ولمن يعيش تحت مظلته، ان الامام الصادق(ع) لا يخاف ولا يبدي من نفسه اي انزعاج ولا يبدي من نفسه اي وجل انه يطمئن الى لطف الله ويطمئن الى كرمه والى مساعدته والى معونته وهكذا يكون كل مؤمن بالله سبحانه وتعالى واثق بعنايته.
واما الدرس الثاني فان الامام(ع) نجده يقف امام الجبار في ذلك الزمان ذلك الذي سيطر على مقدرات المسلمين بالقتل والخداع والارهاب، اعني المنصور الدوانيقي فان العباسيين لم يسيطروا على الحكم الا بالقتل الا بالارهاب والا بالقوة واحياناً بالخداع نجد الامام يقف امامه وقفة الشجاع وقفة البطل وقفة الواثق ولا يرهب وهذا هو شأن المؤمن بالله سبحانه وتعالى وهذا هو شأن المسلم فان افضل الجهاد كلمة حق عند امام جائر.
كما اننا نجد في هذه القصة ان علم الامام(ع) مقتبس من علم رسول الله فهو يستشهد باقوال رسول الله واحاديثه وهو يكشف عن الاحكام الالهية مأخوذة من نبعها ومن منبعها السليم الصحيح فينفي او يثبت شيئاً مستنداً بذلك الى ما روي عن جده رسول الله(ص) عن طريق اباءه واجداده(ع).
واما النقطة الرابعة التي نجدها في هذه القصة وهي لنا درس هو اهتمام الامام باهله واهتمامة باحاسيسهم وعواطفهم فهو لا يطلب من المنصور الا ان يعيده بسرعة الى اهله لانهم متعلقون قلبياً به وهو يريد لذلك ان يكون عندهم لتهدأ احاسيسهم وعواطفهم بسبب غيابه المفاجئ والخطير هذا، ثم انه عليه السلام لا يطلب من المنصور مالاً وثروة ولا شيئاً من حطام الدنيا ولا شك انه اذا كان يطلب فان المنصور يعطيه الالاف بل ومئات الالاف ولكنه لم يطلب شيئاً لان الامام(ع) ليس من شأنه ان يطلب من جائر وجبار شيئاً ليس يملكه وليس له حق في التصرف فيه فليس هو بامام حق وليس هو بامام صدق انما الامام الحق والصدق هو اهل البيت(ع) لهذا لم يطلب منه شيئاً ثم ان الله سبحانه وتعالى يظهر للامام الصادق كرامة كما اظهر لاولياءه كما نعرف ما ظهر لمن هو ليس بامام فضلاً عن كونه نبياً تظهر له الكرامات والمعاجز كما نرى ونشاهد في القرآن الكريم فلا غرابة ان تظهر للامام هذه الكرامة ويموت ذلك الرجل بدعاء الامام ويسبب تجاوزه على الحق وخروجه عن جادة الصواب.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا للاخذ بسيرة هؤلاء الصادقين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******