السلام عليكم ايها الاخوة والاخوات الكرام ورحمة الله وبركاته.
حديثنا عن الامام محمد بن علي الجواد(ع)، والامام الجواد هو من اروع صور العلم والفكر في الاسلام طبعاً ولادة الامام الجواد(ع)في العاشر من شهر رجب عام 195 هجرية. تقلد الامام الجواد الامامة بعد وفاة ابيه الرضا(ع) وعمره لا يتجاوز التسع سنين وهذه حاله تلفت التظر وهناك عندنا ايها الاخوة اثنان من الائمة تحملوا عبء الامامة او مسؤلية الامامة وهم في هذا السن احدى عشر سنة او تسع سنوات، واحد الامام الهادي(ع) وواحد الامام الجواد(ع) بابي هو وامي. كيف تحمل الامام ثقل هذه المسؤلية او هذا الخيار الصعب وهذا طبعاً امر واضح وبديهي. 
ان علوم الائمة لم تكن بالطرق الاكتسابية الطرق التقليدية، علوم الائمة(ع) الائمة الاثنى عشر لم تكن بطريقة التحصيل او بطريقة المألوفة، علم الامام(ع) هو من باب الالهام يعني الله يلهمه العلم او حدثوا به يعني الامام امير المؤمنين تحدث اليه رسول الله ويقول الامام "علمني رسول الله الف باب من العلم" وايضاً نحن نعرف من مواصفة الامام(ع) ان علمه يلهم والا كيف نرى او نقرأ ان رسول الله وصف الحسن والحسين وهما في السابعة او السادسة من السن "الحسنان امامان ان قاما او قعدا"، كيف يعني؟ معني الامام يعني مهيأ ومتكامل حتى ان يوم ثقيف لما عقد رسول الله اتفاقية تقرر هذا يرويه ابن سعد في طبقاته يقول في الجزء الاول تقرر ضمن الاتفاقية يكون شهود اربعة اثنين من طرف الثقيف واثنين من طرف النبي، فلما وقعها الشاهدان من طرف ثقيف كان هؤلاء ينتظرون شهود النبي فلم يكن احد فقالوا يا رسول الله او يا محمد ومن شاهداك؟ استدعى النبي الحسن والحسين لكي يوقعا، هذه كانت مفاجأة لهؤلاء، النبي ينتدب طفلين عمرهم ستة سنين او سبعة سنين كيف هذا؟ 
فصاح النبي: "الحسنان امامان ان قاما او قعدا" اذن علم الامام علم بهذه الصورة وهذا يرد حتى في سلوك بعض الانبياء، الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: "واتيناه الحكم صبياً" ولكثر من هذا رضيع مثل عيسى وهو في المهد، بني اسرائيل ضايقوا امه مريم، ما كان ابوك امرء سوء يا اخت هارون ما كانت امك بغياً، لما حبصرت وضيقت اشارت اليه واستغاثت بولدها واذا هذا ينطق بتلك الادلة"اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبياً" وهو رضيع يقول: "جعلني نبيا اوصاني بالصلاة بالزكاة وسلام عليّ" انبهروا، اذن فلا غرابة ان يتحمل الامام الجواد مسؤلية الامامة وهو في بواكير صباه. 
يقول المؤرخون ان المأمون العباسي انتهز وجود الامام الجواد لفرصة عقد المؤتمرات العلمية لامتحانه ولعل الامام مثلاً يتوقف، يتلكئ في جواب مسألة ويتخذ المأمون من ذلك وسيلة لابطال مذهب التشيع ولمثلاً تفنيد رأي الشيعة الذين يقولون ان ائمتهم لا يضارعهم احد في الفضل او وفرة العلم او اقتدارهم وتسلطهم فامر المأمون وفي الواقع نسق ودرب هؤلاء العلماء مجموعة من العلماء احضرهم المأمون العباسي ونسق معهم ليعدوا اعقد الاسئلة في مختلف العلوم وليس في علم واحد او فن واحد كل العلوم والفنون فعلاً نصب دس او منصه، وجلس الامام الجواد(ع) واحاط به هؤلاء العلماء وكانوا يطرحون اعقد الاسئلة على الامام الجواد فيجيب عليها جواب عالم متمرس بدون اي تباطؤ او تلكؤولا ولا برهه من الوقت وحتى قال المؤرخون سئل الامام عن عشرين او ثلاثين الف مسألة في مختلف العلوم فاجاب الامام عن جميعها واحياناً كان يجيب باستحداث فروع يعني كان يسأله قاضي القضاة او غيره يسأله مسألة، الامام كان يخرج له فروع منها لذلك الشاعر يقول: 

وانت اجبت السائلين مسائلاً

ثلاثين الفاً عالماً لا تعلم

مثلاً من الاسئلة كان يسأله يحيى بن اكثم عن فلان حديث او فلان حديث لان تعرفون ان بين حملة الكذب على رسول الله افعلت جمهرة من الاحاديث التي يراد منها انتقاص فضل اهل البيت او اختلاق فضائل لفلان وفلان من باب ابطال فضائل اهل البيت، فكان الامام يرد عليها بافضل رد. 
مثلاً يوم من الايام الفقهاء احتاروا في اجراء الحد كيفية اجراء الحد واتوا بالسارق واقرّ ثلاث مرات على السرقة، هذا يقول تقطع يده، هذا يقول تقطع من المرفق، ذلك يقول تقطع من العضد، وما اتفقوا على رأي ولا فقيهين اتفقا على رأي وتقرر بعد ذلك ان يسأل الامام الجواد، جواب الامام الجواد، جواب الامام الجواد او فتوى الامام كان تجاوز كل هذه الاراء اجاب الامام بان اليد تقطع من الاصابع ولا الكف كله ولا اليد او السارق والعضد انما الاصابع فقط، فاشكل بعضهم بأن كيف الامام يجيب وما هو الدليل؟ 
انظر هنا نرجع الى مسألة حساسة وهي ان اجوبة الائمة ائمة اهل البيت كانت غالباً ما تعتمد على القرآن يعني يشكل القرآن المنبع الاول حينما يصدرون الفتاوى والاحكام، كلفوا الرسول يرجع الى الامام الجواد(ع) ويسأله ما دليلك على هذه الفتوى الامام استدل بهذه الآية: "ان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً" المساجد سبعة الجبهة الكفين الركبتين واصابع القدمين هذا مساجد يعني السجود لا يصح الا باستقرار هذه المساجد السبعة على الارض، الكف من المساجد وهذه لله ولا يمكن ان تقطع انما تقطع الاصابع فانبهر المفتون او القضاة والعلماء لهذا الحكم من الامام الجواد وصار حديث الاندية مما اوجب تفاعل وتعاظم حقد العباسيين على الامام محمد الجواد(ع) واراد المأمون بعد ان نجح الامام الجواد(ع) وسيطر على الموقف ان يبرهن اكثر قدرة الامام الجواد وتسلطه على هذه الابواب فطلب من الامام الجواد ان يسأل من القاضي مسألة او كبير القضاة وهو يحيى، الامام سأله مسأله واذا هذا الرجل اضطرب ولبس ثوب الفشل حينما سأله الامام تقول في رجل اشترى جارية عند المساء حرمت عليه وفي المساء حلت له عند الفجر حرمت عليه عند الضحى حلت له وعند العصر حرمت عليه وعند الغروب حلت له هذا يصير. واذا بهذا الرجل تلجلج وهو يقول لا اهتدي لذلك سبيلاً، فضج العلماء وهم يسألون الامام الجواد ما هذا اللغز او هذه المسالة، الامام اجاب بايجاز ان احداً اشترى جارية كانت لغيره حراماً اشتراها حلت له، اعتقها حرمت عليه، تزوجها حلت له طلقها حرمت عليه، ارجعها حلت له ظاهرها حرمت عليه، كفّر عن الظهار حلّت له، هذا كله كشف عن مخزون علم الامام الجواد(ع). 
اخيراً اغتاله المعتصم العباسي بسم قاتل اودى حياته وبطريقة استدراج زوجته ام الفضل وكانت وفاة الامام(ع) في آخر يوم من شهر ذي قعدة عام 220 للهجرة. 
نسأل الله ان يوفقنا بان نقتدي بسيرة الامام الجواد وسيرة ابائه الكرام وان ننتهل من هذه المناهل العذبة الشريفة بما يسعدنا دنيا وآخرة. والسلام عليكم ايها الاخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته. 

*******