الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين والطاهرين.
يقول علي بن ابي حمزة كان لي صديق من كتاب وموظفي بني امية، استأذن لي علي ابي عبد الله الامام جعفر الصادق، فاستأذنت له ولما دخل على الامام الصادق سلم وجلس ثم قال: جعلت فداك يا بن رسول الله اني كنت في ديوان هؤلاء القوم اي كنت عاملا من عمالهم وموظفاً في حكومتهم "يقصد بني امية" فاصبت من دنياهم مالاً كثيراً واغمضت في مطالبه، فقال ابو عبد الله الامام الصادق(ع): لو لا ان بني امية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا اهل البيت ولو تركهم الناس وما في ايديهم ما وجدوا شيئاً الا ما وقع في ايديهم فقط. فقال ذلك الفتى: جعلت فداك يا بن رسول الله فهل لي من مخرج ومخلص من هذه المسألة؟ فقال له الامام: ان قلت لك تفعل؟ قال: افعل حتماً، قال: اخرج من جميع ما كسبت في دواوينهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم يعرف تصدقت به وانا اضمن لك على الله الجنة.
يقول علي بن ابي حمزة: فاطرق ذلك الفتى طويلاً فقال: قد فعلت جعلت فداك. قال ابن ابي حمزة فرجع الفتى معنى الى الكوفة فما ترك شيئاً على وجه الارض الا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه، فقسمنا له قسمة اي جمعنا له ملا واشترينا له ثياباً وبعثنا له بمقدار من المال ليتعيش به فما اتى عليه اشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده، يقول علي بن ابي حمزة فدخلت عليه يوماً وهو في حالة الاحتضار ففتح عينه ثم قال: يا علي قد وفا لي والله صاحبك اي صاحبك الامام الصادق(ع) قد وفا لي بوعده، ثم مات ذلك الفتى فتولينا امره ودفناه ثم خرجت الى المدينة المنورة حتى دخلت على ابي عبد الله الصادق(ع) فلما نظر الامام اليّ بادرني بقوله: يا علي وفينا والله لصاحبك فقلت: صدقت جعلت فداك يابن رسول الله هكذا قال لي ذلك الفتى والله عند موته.
من هذه القصة نستلهم اموراً ايها المستمع الكريم وايتها المستمعات الكريمات اولاً نستلهم ان العمل في جهاز الظالمين هو في الحقيقة مشاركة في ظلمهم لان بهم بمن يشاركهم ويساعدهم ويعينهم يتقى الظالم ويستطيع ان يسلب الناس حقوقهم ويعتدي على الآخرين ويتجاوز على اموالهم، اذا كان الظالم وحده اذا كان منفرداً لا يساعده احداً ولا يعينه احد لما كان الظالم يستطيع ان يفعل شيئاً انما الظالم يتقوى بمن يلتف حوله ويصفق له.
هذا هو الدرس الكبير الذي نأخذه من هذه القصة اولاً، ولهذا روي عن الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) قوله: "انما هو الرضا والسخط وانما عقر الناقة رجل واحد وهو يشير الى من عقر ناقة صالح فلما رضوا اصابهم العذاب فاذا ظهر امام عدل فمن رضي بحكمه واعانه على عدله فهو وليه واذا ظهر امام جور فمن رضي بحكمه واعانه على جوره فهو وليه". اذن الرضا بعمل الظالم ومساعدته ومشاركته وقبول ولايته الجائرة التي هي خارجه عن ولاية الله تبارك وتعالى وولاية نبيه.
اما الدرس الثاني هو ان الانسان اذا اراد ان يطهر نفسه مما علق به من اثام ومما علق به نتيجة مساعدة الظالم فلا يكفي ان يستغفرالله وحده هناك حقوق يجب ان يتخلص منها، هذه الحقوق بعضها مالية وبعضها غير مالية يجب ان يرد الامام التي اخذها من هذا وذلك ظلماً الى اهلها يجب ان يستحلل من يستطيع ان يستحلله ويرضيه اذا استطاع واذا فعل مثل هذا يكون قد ارضى سبحانه وتعالى وضمن لنفسه الجنة هذا هو الدرس الاخر. اما ما يتصوره البعض من انه اذا ظلم وقهر واذى واعتدى يكفيه ان يستغفر الله، هذا ليس من الصحيح فان هناك حقين حق الله وحق الناس اما حق لله فيمكن بقضاء الصلوات الفائتة او الصوم الفائت قدر الامكان وما عدا ذلك فلم يقدر عليه فيمكن ان يتدارك ما فات بالاستغفار وطلب المغفرة من الله والتوبة والانابة.
واما حق الناس فلا يمكن بالاستغفار يسقط حق الناس الذي تحمله الانسان بسبب عدوانه على الاخرين بل يجب ان يؤدي هذه الحقوق الى اهلها ويرجعها الى اصحابها، هذا الدرس الثاني الذي نستلمه من هذه القصة.
اما الدرس الثالث فهو ان اهل البيت(ع) لهم عندالله منزلة كبيرة واذا ضمنوا لاحد الجنة فان الله سبحانه وتعالى يقبل دعائهم، ويقبل شفاعتهم ويقبل ندائهم ويستجيب لهم ولهذا نرى ان ذلك الفتى الذي تحمل بعض الاثام وبعض الذنب نتيجة تعاونه بالدواوين ثم رد الحقوق الى اهلها، نجده لما يعده الامام الصادق(ع) بالنجاة والخلاص من العذاب الالهي ودخول الجنة لوادى الحقوق الى اهلها وارجع الاموال الى اصحابها نجد ذلك الفتى عند لحظة الموت يقول لصديقه علي بن ابي حمزة: ان صاحبك الامام جعفر الصادق(ع) قد وفىّ لي اي انجز لي عدته، اي ان الله سبحانه وتعالى قبل دعوته في حقي وقضى حاجته وتقبل شفاعته فاذن لاهل البيت(ع) منزلة عند الله، كيف لا يكون لاهل البيت هذه المنزلة وهم قد ضحوا بكل ما عندهم من غال ورخيص ونفيس في سبيل الاسلام في سبيل الدين وفي سبيل ان ترتفع راية التوحيد وان يبقى دين الله شامخاً قوياً ماضياً لا يصيبه شئ كيف وهناك احاديث ان الله يقبل شفاعة المؤمن العادي فكيف باهل البيت كيف باغصان الشجرة المحمدية الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
اجل ايها الاخوة ان علينا اولاً ان لا يتعاون مع الظالم فان الباري سبحانه وتعالى يقول: "ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار"وجاء في الحديث: "من مشى الى ساطان جائر فأمره بتقوى الله وخوفه ووعظه كان له مثل اجر الثقلين من الجن والانس ومثل اعمالهم".
هذا فيما اذا استطاع ان ينصح الظالم اما اذا لا يستطيع ان ينصح انما كان ذهابه اليه لمعونته وتقديم العون له فانه سوف يصيبه ويصيب ذلك الظالم من العذاب والعقاب من النار "اعاذنا الله" فقد قال رسول الله(ص): اذا كان يوم القيامة نادى منادي اين الظلمة واعوانهم من لاق لهم دواة او ربط لهم كيساً او مد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم.
نرجو الله سبحانه وتعالى ان يحفظنا من هذه الامور التي تفسد علينا الاخرة وتجعلنا امام عقاب شديد. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
*******