الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
بعث المنصور الدوانيقي ابراهيم ابن جبلة، احد مساعديه الى المدينة المنورة ليجلب الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) الى بغداد. يقول الربيع وهو حاجب المنصور: حدثني ابراهيم بن جبلة، انه لما دخل على الامام الصادق(ع) في المدينة واخبره برسالة المنصور سمعت الامام الصادق يقول في دعاء: "اللهم انت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة، واتكالي في كل امر، نزل بي عليك ثقة وبك عدة فكم من كرب تضعف فيه القوى وتقل فيه الحيلة وتعيني فيه الامور، ويخذل فيه القريب ويشمت فيه العدو فما انزلته بك وشكوت راغباً فيك فيه عمن سواك ففرجته وكشفته فانت ولي كل نعمة ومنتهى كل حاجة، لك الحمد كثيراً ولك المن فاضلاً". فلما قدموا راحلته ومركبه ليركب ويجئ معي الى بغداد فخرج من بيته ليركب سمعته يقول: "اللهم بك استفتح وبك استنجح وبمحمد(ص) اتوجه، اللهم ذلل لي حزونته وكل حزونه وسهل لي صعوبته وكل صعوبة، وارؤقني من الخير فوق كل ما ارجوه واصرف عني من الشر فوق ما احذر، فانك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك ام الكتاب".
يقول ابراهيم بن جبلة وهو الذي بعثه المنصور ليجلب الامام الصادق معه من المدينة الى بغداد يقول: فلما دخلنا الكوفة نزل فصلى ركعتين ثم رفع عليه السلا يده الى السماء فقال: "اللهم رب السموات وما اظلت ورب الارضين السبع وما اقلت والرياح وما ذرت والشياطين وما اضلت والملائكة وما عملت اسألك ان تصلي على محمد وال محمد، وان ترزقني خير هذه البلدة وخير ما فيها وخير اهلها وخير ماقدمت له وان تصرف عني شرها وشر مافيه وشر اهلها وشر ما قدمت له". يقول الربيع حاجب المنصور: فلما وافى الامام جعفر الصادق(ع) مع ابراهيم بن جبلة الى حضرة المنصور دخلت الى المنصور واخبرته بقدوم جعفر الصادق وابراهيم بن جبلة هنا.
دعا المنصور احد جلاديه وهو المسيب بن زهير الضبي فدفع اليه سيفاً وقال له: اسمع اذا دخل جعفر بن محمد الصادق فخاطبته واومئت اليك فاضرب عنقه فلا تستأمر اي لا تنتظر امراً اخر. يقول الربيع: فخرجت الى الامام الصادق(ع) وكان صديقاً لي الاقيه واعاشره اذا حججت، قلت: يا بن رسول الله ان هذا الجبار قد امر فيك بامر اكره ان القاك به وان كان في نفسك شئ تقوله او توصيني به، كانه كان يخاف ان يصيب الامام شئ من المنصور، وكان يحب الامام لصداقة قديمة كانت بينه وبين الامام. فقال الامام الصادق: وهو يهدأ خاطر ربيع قال لا يروعك ذلك فلو رأني لزال ذلك كله، سيزول عنه الغضب لو راني، ثم اخذ بمجامع الستر ورفع ستار البلاط ودخل على المنصور وهو يقول: "يا اله جبرئيل وميكائيل واسرافيل واله ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب ومحمد(ص)، تولني في هذه الغداة ولا تسلط عليّ احداً من خلقك بشئ لا طاقة لي به". ثم دخل و حرك شفتيه بشئ لم افهمه بعد هذا الدعاء، فنظرت الى المنصور فما شبهته الا بنار صب عليها ماء فخمدت، وزال ذلك الغضب. ثم جعل الامام(ع)يسكن غضبه حتى دنى منه جعفر بن محمد الصادق(ع) وصار معه في سريره وجلس قريباً منه، فوثب المنصور واخذ بيده ورفع على سريره، ثم قال له: يا اب عبد الله يعز عليّ تعبك انما احضرتك لا شكو اليك، فقد قطعوا رحمي وطعنوا في ديني والبوا الناس عليّ ولو هذا المر لغيري، فمن هو ابعد رحماً مني لاستمعوا له واطاعوا. فقال الامام الصادق(ع): يا امير المؤمنين طبعاً الامام الصادق لا يعترف بخلافة المنصور ونظرائه، انما قال ذلك تقية وحفاظاً على دمه وهو لا يقصد معناه الحقيقي، قال يا امير المؤمنين فاين يعدل بك عن سلفك الصالح، يعني لماذا لا تقتدي بسلفك الصالح اي من الانبياء ومن الاولياء ان ايوب(ع) ابتلي فصبر وان يوسف(ع) ظلم فغفر وان سليمان(ع) اعطي فشكر فقال المنصور: قد صبرت وغفرت ثم قال بعد ان غضبه هدأ قال: يا ابا عبد الله حدثنا حديثاً كنت سمعته منك في صلة الارحام. قال: تعم حدثني اب عن جدي رسول الله(ص) قال: البر وصلة الارحام عمارة الدنيا وزيادة الاعمار.
قال المنصور: ليس هذا هو، قال نعم حدثني ابي عن جدي، قال رسول الله(ص): من احب ان ينسئ في اجله ان يؤخر في اجله ويعافى في بده فليصل رحمه،قال المنصور: ليس هذا هو الحديث الذي اريد، قال الامام الصادق(ع): نعم حدثني ابي عن جدي رسول الله(ص) قال رأيت رحماً متعلقة بالعرش تشكو الى الله تعالى عزوجل قاطعها فقلت: يا جبرئيل كم بينهم؟ يعني كم بين هذا والرحم التي قطعها؟ فقال سبعة اباء؟ قال المنصور: ليس هذا هو، قال نعم الامام الصادق(ع) حدثني ابي عن جدي رسول الله(ص)قال: احتضر رجل بار، يعني ادركه الاحتضار والموت في جواره رجل عاق قد عقه ابوه، قال الله عزوجل لملك الموت: يا ملك الموت كم بقي من اجل العاق، قال: ثلاثون سنة. قال الله: حولها الى الرجل البار الذي يبر برحمه.
فقال المنصور: يا غلام ائتني بوعاء العطر والطيب، ائتني بالغالية فأتاه بها فجعل يغلفه بيديه ويعطر وجه الامام ولحيته الشريفة بيديه، ثم دفع الى الامام اربعة الاف دينار فدعا ببابته فاتي بها، فجعل يقول: قدم قدم الى ان اتي بالدابة الى عند سرير المنصور فركب الامام الصادق وعدوت، "هذا قول الربيع حاجب المنصور" فعدوت بين يديه فسمعته يقول: "الحمد الله الذي ادعوه فيجيبني وان كنت بطيئاً حين يجيبني، والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وان كنت بخيلاً حين يسألني، والحمد لله الذي استوجب مني الشكر وان كنت قليلاً شكري، والحمد لله الذي وكلني الناس اليه فاكرمني ولم يكلني اليهم فيهينوني، يا رب كفى بلطفك لطفاً، وبكفايتك خلقاً".
فقلت له: يا بن رسول الله ان هذا الجبار يعرضني على السيف كل قليل اي بين المدة والاخرى وقد دعا المسيب بن زهير ودفع اليه سيفاً وامره ان يضرب عنقك واني رأيتك تحرك شفتيك حين دخلت، تحركها بشئ لم افهم عنه. فما هو هذا؟ فالامام قال: ليس هذا موضعه فرحت اليه عشياً فقال الامام عليه السلام وقد رأى الوقت مناسباً للاجابة على سؤال الربيع، قال: نعم حدثني ابي عن جدي رسول الله(ص)، لما الّبت عليه اليهود وفزارة وغطفان وهو قول الله: "اذا جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنوناً" وكان ذلك اليوم من اغلظ الايام على رسول الله(ص)، فجعل يدخل ويخرج وينظر الى السماء ويقول: ضيعي تتسعي ثم خرج في بعض الليل فرأى شخصاً فقال لخديفة: انظر من هذا فقال: يا رسول الله هذا علي بن ابي طالب، فقال له رسول الله: يا ابا الحسن ما خشيت ان تقع عليك عين ما خفت، قا: اني وهبت نفسي لله ولرسوله وخرجت حارساً للمسلمين في هذه الليلة، فما انقضى كلامهما حتى نزل جبرئيل وقال: "يا محمد ان الله يقرأك السلام ويقول: قد رأيت موقف علي بن ابي طالب(ع) الليلة واهديته من مكنون علمي كلمات لا تعوذ بها عند الشيطان مارد، ولا سلطان جائر ولا حرق ولا هدم ولا ردم الا امنه الله من ذلك" ثم قرأ دعاءاً مطلعه "اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بركنك الذي لا يرام"، ولعلنا نشير الى هذا الدعاء في حديث آخر.
هذه القصة تدل على مدى ضغوط العباسيين على اهل البيت اولاً، ثم كيف ان الامام(ع) كان متوكلاً على الله وكان يتوسل بالدعاء وبذلك يخلص وينجو من الاخطار، جعلنا الله واياكم مع الصادقين في حياتنا الدنيا والاخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
*******