قال رسول الله(ص): "الفقر سواد الوجه في الدارين"
لقد كافح الاسلام ظاهرة الفقر في المجتمع مكافحة شديدة ومستمرة بكل الوسائل نظرياً، هناك احاديث كثيرة وعديدة وردت عن رسول الله(ص) في وصف الفقر بأنه حالة مذمومة وسيئة ومرفوضة من قبل الاسلام، ومن تلك الاحاديث: "الفقر سواد الوجه في الدارين" ويعني رسول الله(ص) ويقصى بهذه العبارة الموجزة ان الفقر يجعل الانسان في الدنيا ذليلاً حقيراً لا قيمة له، فلابد للانسان ان يكون عزيزاً منيع المقام محترماً، ان يكد ويجتهد ويعمل ولا يجعل الفقر يتسلل الى حياته. وفي النقطة الاخرى نجد الاسلام يمدح نظرياً الغنى ففي حديث شريف: "ان الغنى نعم العون على الاخرة" ويقصد بالغنى الثروة الحلال التي حصل عليه الانسان من طريق الكسب المشروع لا عن طريق الغصب والسرقة والنهب والسلب والاحتكار والتطفيف والغبن للاخرين والخداع ومات كل ذلك. ان الثروة الصالحة، الثروة الطاهرة، الثروة النقية التي نحصل عليها الانسان ويستطيع بها ان يبني مسجداً، يبني مؤسسة خيرية، مؤسسة للايتام، مؤسسة للابناء السبيل، صندوقاً للقرض الحسن ومساعدة المحتاجين لتأمين احتياجات من يريد الزواج او من تزوج ولم يستطيع ان يكمل المسيرة. ان الغنى يستطيع بالثروة الحلال ان يقوم بهذه الامور ولاشك ان هذه الامور ستضمن له الجنة، ستجعله مرفوع الرأس في الاخرة، ستجعله هذه الخدمات في منجا ومفازة من العذاب يوم القيامة بينما لا يستطيع الفقير ان يفعل ذلك، في الدنيا يكون حقيراً ذليلاً منحط المقام وفي الاخرة لا يحصل على شئ من تلك المقامات والدرجات التي يحصل عليها صاحب الثروة الطاهرة النقية من خلال ما يقدمه من الخدمات الاجتماعية والخدمات الانسانية قربة الى الله تعالى، بينما الفقير لا يستطيع ان يفعل هذا. لهذا فان الرسول الاكرم(ص) قال: "الفقر سواد الوجه في الدارين"، الانسان في الدنيا يكون بالفقر ذليلاً وفي الاخرة يكون خاسراً خاسئاً وهذا نظرياً حث على ازالة الفقر من المجتمع والسعي للعمل وتحصيل الثروة الحلال، وعملياً للاسلام نجده يقدم برامج من شأنها لو طبقت و نفذت في المجتمع الاسلامي ان لا تدع للفقر مكاناً والعوز مجالاً وهذه البرامج التي تحفل بها السياسة الاقتصادية في الاسلام من افضل البرامج لازالة الفقر لم تعرف البشرية نظيراً لها وينبغي ان يتوجهلها المجتمع الاسلامي ويطبقها في حياته لازالة الفقر الموجود في المجتمع الاسلامي وهي لاشك ظاهرة ليست مفخرة للمسلمين بل سبب للخجل وسبب للحزن، المجتمع الاسلامي الذي ينعم بالاسلام الذي يعيش في ظل الاسلام، الاسلام الذي يطارد الفقر ويحارب الفقر والعوز، والاسلام الذي يطرح برامج متينة ودقيقة وقيمة لتنفيذ العدالة الاجتماعية في المجتمع، هذا المجتمع لا يمكن ان يكون فيه فقير معوز، لايمكن ان يكون فيه جماعة يعيشون على التسول والاستجداء. وفي الحديث: "من استجد الناس جاء يوم القيامة وهو اجذم لا لحم على وجه" لأن الاستجداء يوجب ذهاب العرض، الاستجداء يوجب ذهاب الشخصية والانسان وجهه محترم فلابد ان يحافظ عليه ولا يتسول ولا يستجدي فلو فعل ذلك ففي الحقيقة يكون قد حطم شخصيته في الدنيا وحينما يأتي في الاخرة يكون على نفس الهيأة لأن الاخرة هي الوجه الاخر لهذه العملة، الدنيا والاخرة وجهان لعملة الواحدة والانسان كيفما يكون يكون في الدنيا يكون في الاخرة، ولهذا رسول الله(ص) كان يسعى لازالة الفقر في المجتمع نظرياً وعملياً وعلى هذا النهج سار اهل البيت(ع)، سار ابنائه الائمة(ص) فهذا الامام الحسن بن علي(ع) السبط الاكبر لرسول الله(ص) انظر اليه كيف يتعامل مع ظاهرة الفقر. في الحديث وفي التاريخ جاء ان رجلاً دخل على الحسن(ع) فقال: يا بن امير المؤمنين قسماً بالذي انعم عليك بهذه النعمة ولم يعطك هذه النعمة لشفيع قدمته اليه انما انعمها عليك انعاماً منه الا ما انصفتني من خصمي فان خصمي غشوم ظلوم لا يوفرالشيخ الكبير ولا يرحم الطفل الصغير. قال الرجل هذا الكلام بينما كان الامام الحسن(ع) متكئاً فلما سمع هذا الكلام استوى جالساً في هيئة المتعجب والمغضب وقال: من خصمك حتى انتصف لك منه من خصمك هذا الذي لا يرحم الصغير ولا يوفر الكبير وهو غشوم ظلوم من هو؟ انا مستعدلأن انتصف لك منه. قال ذلك الرجل مولاي خصمي هو الفقر اي انني اعيش في فقر مطقع وهو بلا حقني في حياتي فاطرق الامام ساعة ثم رفع رأسه والتفت الى الخادمه وقال: احضر ما عندك من مال موجود، فاحضر خمسة ألاف درهم فقال الامام لخادمه ادفعها كلها اليه ثم قال الامام(ع): بحق هذه الاقسام التي اقسمت بها عليّ متى اتاك خصمك جائراً الا ما اتيتني منه متظلماً حتى ادفع عنك ذلك الخصم واساعدك على مكافحته. انظر هذه القصة تدل على امرين اولاً حساسية الامام تجاه الفقر تجد انه يسوي جالساً و يقول للرجل من هو خصمك وعنى ما يقول الفقر الامام يبقى متأثراً حزيناً مدة من الزمان يفكر ماذا يفعل، ثم الدرس الاخر الذي نستفيده من هذه القصة هو اقدام الامام السريع على رأب الصدع في حياة ذلك الرجل ودفع هذه المشكلة عنه وعن عائلته واذا به يتقدم درهماً او درهمين انما خمسة ألاف درهم ليقوم ذلك الرجل بسى حاجته ومن بعد ان يسد حاجته يضمن لنفسه مكسباً وكسباً وتجارة عن طريق ما يتبقي من هذه المال حتى لا تعود اليه حالة الفقر ولا يبتلى بهذه الظاهرة الفاسدة. ان الفقر ايها الاعزاء ظاهرة قد تدعو احياناً الى الكفر فهذا الامام علي بن ابي طالب(ع) يقول في كلمة معروفة يقول: "ما دخل الفقر الى بلد الا قال الكفر خذني معك" وفي كلمة اخرى قال: "لو تمثل لي الفقر رجلاً لضربت عنقه" هذا لأن الفقر له آثار سيئة، الفقر يخرس الفصيح، الفقر يفقد الانسان الحيلة مهما كان ذكياً يجعله مخلداً الى الارض، يجعله لا يتحرك ساكناً راكداً، ولهذا على المجتمع ان يلتفت الى قوانين الاسلام لازالة الفقر ويعمل في سبيل جعل كل الناس في مستوى جيد من الثروة وعلى الناس ايضاً ان يجتهدوا ويعملوا. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.