وجاء هذا في تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، حيث قالت إن هذا توضيح مثالي لجانب لا يفهمه كثير من الأميركيين بشكل جيد عن التضخم؛ حيث إن التضخم الذي يعانون منه بالفعل أسوأ بكثير من المعدل الذي تذكره معظم العناوين الرئيسية والبالغ 8.6 بالمئة.
وتبين الصحيفة أن معدل التضخم الحكومي الرسمي يأتي من الرقم القياسي لأسعار المستهلك، والذي يقيس أسعار سلة من السلع والتي تعكس بدورها الاستهلاك السنوي الإجمالي للأصناف والخدمات التي تدفع ثمنها الأسرة ذات الدخل المتوسط التي تسكن في الأماكن الحضرية.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا "المتوسط الوطني" لا يمكن أن يعكس بالضبط ما تواجهه أسرة معينة في أي مدينة معينة؛ حيث يفترض هذا المتوسط أن الأسرة ذات الدخل المتوسط تشتري جميع هذه السلع والخدمات بنفس الكميات، لكن هذا ببساطة ليس صحيحًا، وهو يخفي عن غير قصد مدى ارتفاع التضخم لملايين الأشخاص.
وتوضح الصحيفة أن أسعار السلع التي يشتريها الناس بانتظام ترتفع بشكل أسرع بكثير من تلك أسعار الأشياء التي لا يشترونها، فقد ارتفعت المواد الغذائية المستخدمة في المنزل -على سبيل المثال- بنحو 12 بالمئة خلال العام الماضي، بينما قفزت أسعار البنزين بنحو 50 بالمئة، وارتفعت أسعار البيض بأكثر من 32 بالمئة في العام الماضي؛ حيث تمثل هذه الفئات أقل من 20 بالمئة من مؤشر أسعار المستهلكين الإجمالي، لكنها منتجات يشتريها الناس كل أسبوع.
ونتيجة لذلك؛ من المرجح أن يكون التأثير السياسي لهذه الزيادات المكونة من رقمين أسوأ من التأثير السياسي للسلع أو الخدمات التي يتم شراؤها أو الدفع مقابلها بشكل غير منتظم، مثل زيارات الطبيب.
وتتابع الصحيفة قائلة إنه حتى بعض هذه السلع التي لا يشتريها الناس بشكل منتظم من المحتمل -في كثير من الأحيان- أن تؤدي إلى قلق شديد من التضخم لبعض الأسر، فمعظم الناس لا يتحركون، على سبيل المثال، ومن المحتمل أن يكون لدى غالبية أولئك الذين بقوا في مناصبهم في العام الماضي قروض عقارية لا تتذبذب أقساطها، لكن أولئك الذين اشتروا منزلًا جديدًا عانوا بالتأكيد من صدمة الملصقات (وهي صدمة عند إبلاغك بالسعر المرتفع بشكل غير متوقع لمنتج ما)؛ فقد ارتفعت أسعار المنازل بنسبة هائلة بلغت 40 بالمئة منذ مارس 2020، وذلك وفقًا لمؤشر أسعار المنازل الوطني "إس وبي كيس/شيللر S&P/Case-Shiller"؛ حيث لن تنسى ما يقرب من 7 ملايين أسرة اشترت منزلًا جديدًا أو قائمًا في عام 2021 الأسعار المرتفعة التي واجهتها.
وتؤكد الصحيفة أن الشيء نفسه ينطبق على الأشخاص الذين اشتروا سيارة جديدة أو مستعملة في العام الماضي، والذين دفعوا زيادة تتراوح بين 12 و16 بالمئة في المتوسط أكثر مما لو اشتروا نفس السيارة في العام الماضي. موضحة أن هذا شيء لم يعشه معظم الأميركيين؛ لأن غالبيتهم يحتفظون بسياراتهم لسنوات، مبينة أن خلال عام 2019 تم بيع ما يقرب من 58 مليون سيارة مستعملة وجديدة اشترت الشركات -على الأرجح- العديد منها، ولكن هناك عشرات الملايين من الأفراد الذين غامروا في العام الماضي بشراء سيارة أو شاحنة، وشهدوا تلك الأسعار المرتفعة، بالإضافة إلى جميع الزيادات المتراكمة الأخرى في الأسعار.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذه الحقائق مع بعضها البعض تفسر سبب غضب الأميركيين من التضخم؛ حيث يرتفع سعر كل من العناصر باهظة الثمن التي يشترونها بشكل غير متكرر والعناصر اليومية التي يشترونها كل أسبوع، والتأثير السياسي لارتفاع أسعار الفئات الأكثر أهمية هذا لا يعوضه وجود بعض السلع التي ترتفع أسعارها ببطء، أو تلك التي تنخفض أسعارها تدريجيًّا كأجهزة التلفزيون والهواتف الذكية.
وتشدد الصحيفة على أن جهود إدارة ومكافحة هذه الزيادات غير كفؤة؛ حيث إن إلقاء اللوم على ارتفاع أسعار اللحوم في عدم وجود منافسة في صناعة تعبئة اللحوم أمر يعبر عن الجهل الاقتصادي؛ فلم تصبح الصناعة فجأة أقل قدرة على المنافسة في العام الماضي، ومن غير المنطقي افتراض أن جميع أصحاب مصانع التعبئة الأقوياء سيمارسون قوتهم السوقية الآن وليس في السنوات السابقة، لافتة إلى أن الرئيس بايدن غرد بتغريدات سخيفة يصر فيها على أن تخفض شركات النفط الأسعار، لكنه يواصل الضغط على اليسار برفضه إصدار تصاريح جديدة للتنقيب عن النفط قبالة سواحل المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.
وتختتم الصحيفة تقريرها بالتأكيد على أن معدل التضخم في أميركا لم يصل إلى هذا الحد منذ عقود، وهو ما يزيد من التأثير السياسي لارتفاع الأسعار الذي أصبح يتكون من رقمين، فلم يكن معدل التضخم الرسمي بهذا الارتفاع منذ كانون الأول/ ديسمبر 1981؛ حيث إن أولئك الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر هم فقط من عانوا من شيء كهذا من قبل، ولكن بالنسبة لمعظم الأمريكيين، فإنها صدمة العمر، ولهذا فلا عجب أنهم غاضبون، ومن غير المرجح أن يشهدوا أي ارتياح قبل تشرين الثاني/ نوفمبر.