البث المباشر

احلى الكلام -۷٥

الثلاثاء 22 يناير 2019 - 10:56 بتوقيت طهران

الحلقة 75

سألني الصّديق موسى الشريف من مكّة المكرّمة أن لمن هاذا القول:

ولو غيرنا نبهت تلتمس القرى

رماك بسهم أوشباة سنان؟

قلت للصديق الشري المكيّ العزيز: هاذا القول لشاعر القصر الأمويّ الأبرز أبي فراس همّام بن غالب بن صعصعة التميميّ المعروف بالفرزدق- أي: قطع العجيبن، واحدتها فرزدقة - وإنّما لقب هاذا اللقب، لأنه كان جهم الوجه، وهو الغليظ المجتمع في سماجة، وفعله جهم يجهم جهومة وجهامة.
ويقال: جهمه يجهمه جهماً، اذا استقبله بوجه كريه، وهو الكالح.
وكانت وفاته بالبصرة سنة عشر ومئة قبل وفاة ندّه جرير بأربعين يوماً.
وحكى أنّه نزل في بادية في سفر له، وأوقد ناراً، فقصده ذئب، فأطعمه من زاده، وأنشد أبياتاً أحدها المسئول عنه هنا، وهاذه هي:

وأطلس عسّال وما كان صاحباً

دعوت بناري موهناً فأتاني

فلمّا أتى قلت ادن دونك إنني

وإيّاك في زادي لمشتركان

فبت أقدّ الزاد بيني وبينه

على ضوء نار مرّة ودخان

وقلت له لمّا تبسم ضاحكاً

وقائم سيفي في يدي بمكان

تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما

أخيّين كانا أرضعا بلبان

ولوغيرنا نبهت تلتمس القرى

رماك بسهم أوشباة سنان

وسألني المستمع الكريم أيمن الخزرجيّ من البصرة أن لمن هاذان البيتان:

صدّقتم فيّ الوشاة وقد مضى

في حبّكم عمري وفي تكذيبها

وزعمتم أنّي ملك حديثكم

من ذا يملّ من الحياة وطيبها

قلت لمستمعنا الخزرجيّ البصريّ العزيز: هاذان البيتان للخطّاط المشهور بحسن الخط والأدب ياقوت بن عبد الله المستعصميّ الروميّ جمال الدّين البغداديّ، وهو من موالي الخليفة المستعصم بالله العبّاسيّ، وإليه نسب، ضرب بخطّه المثل، وهو غير ياقوت الملكيّ، وياقوت الحمويّ، وكانت وفاته سنة تسع وثمانين وستّ مئة ببغداد.
صنّف كتباً منها أخبار وأشعار، وأسرار الحكماء، وكلاهما مطبوع.
وله شعر جيّد منه البيتان اللذان سألني عنهما الأخ الخزرجيّ، ومنه قوله الجميل:

وأسهر الليل ذا أنس بوحشته

إذ طيب ذكرك في ظلمائه سمري

ليلي نهار إذا مادرت في خلدي

لأنّ ذكرك نور القلب والبصر

وكتب إلىّ الأخ الكريم عبد الحقّ الأمينيّ من قمّ أن لمن هاذا القول، وفيمن قيل:

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشتري؟

قلت للأخ الأمينيّ العزيز: هاذا البيت لمحمّد بن عبد الله بن مسلم الأنصاريّ المعروف بابن المولى، وهو شاعر مجيد متقدّم ظريف عفيف، حسن الهيئة، ولد ونشأ في المدينة المنوّرة، وعاش في الدّولتين الأمويّة والعباسيّة، ومدح عبدالملك بن مروان.
ورحل إلى العراق، ومدح المهديّ، وسافر إلى مصر، فأكثر مدح يزيد بن حاتم المهلّبيّ، وهو عليها، والبيت المسئول عنه من مدحه له، وهو في حكاية للأصمعيّ قال: ابن المولى من المحسنين المدّاحين، ومن حسن مديحه يزيد بن حاتم قوله:

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشتري

وإذا تخيّل من سحابك لامع

سبقت مخيلته يد المستمطر

وإذا صنعت صنيعقة أتممتها

بيدين ليس نداهما بمكدّر

وهتف إليّ الأخ سديد الدّين الحجازيّ من كركوك أن من القائل:

يا واحد العرب الذي

أضحى وليس له نظير

لو كان مثلك آخر

ما كان في الدّنيا فقير

قلت لأخي الحجازيّ العزيز: القائل هو ابن المولى في يزيد بن حاتم المهلّبي، وهما الرجلان المتقدّم ذكرهما آنفاً.
وإذ أنشده هاذا القول دعا بخازنه، وقال له: لم في بيت مالي؟
قال: فيه من العين والورق ما مبلغه عشرون ألف دينار.
فقال له: ادفعها إليه.
ثمّ قال له: يا أخي المعذرة إلى الله - تعالى- وإليك، والله لو أنّ في ملكي غيرها، لما ادّخرته عنك.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة