من الجدّة وهذا البهاء الماجد من السّعوديّة هو مطلع الفجر الجديد لأحلى الكلام.
فأشكر للأخ أحمد الماجد كلّ الشكر، وأقول: هاذا للنابغة الذبيانيّ من قصيدته التي اعتذر فيها للنعمان بن المنذر لمّا غضب عليه.
وفي هاذا البيت قال أبوبكر محمّد بن يحيى بن عبد الله بن العّباس بن محمد ابن صول تكين الكاتب المعروف بالصّوليّ الشطرنجيّ، وهو أحد الأدباء الفضلاء المشاهير: (وخير الشّعر ما قام بنفسه، وكمل معناه في بيته، وقامت أجزاء قسمته بأنفسها، واستغني ببعضها لو سكت عن بعض، مثل قول النابغة:
فلست بمستبق أخاً لا تلمّه
على شعث أيّ الرّجال المهذّب
فهاذا أجلّ كلام وأحسنه. ألا ترى أنّ قوله:
ولست بمستبق أخاً لا تلمّه
كلام قائم بنفسه؟
فإن زدت فيه: على شعث، كان أيضاً مستغنيا.
فلو قلت: أيّ الرّجال المهذّب وهو آخر البيت مبتدئاً به كمثل أردته، كنت قد أتيت بأحسن ما قيل فيه.
كتب إليّ الأخ عبد المطّلب الحسنيّ من بغداد أن من القائل:
فلئن عفوت فلأعفون جللا
ولئن سطوت لأوهنن عظمي؟
قلت لأخي الحسنيّ البغداديّ الكريم: قائل هاذا البيت الحكيم هو الحارث بن وعلة بن المجالد بن يثربيّ الشيبانيّ وهو غير الحارث بن وعلة الجرميّ شاعر المفضّليات.
وللبيت الذي سألت عنه توأم سابق له، وهاذه صورتهما معا:
قومي هم قتلوا أميم أخي
أي: يا أميمة، وهو منادى مرخم، أعني محذوف الآخر.
والمرخّم قسمان: ما ينتظر، وما لا ينتظر.
والأوّل يبقى على حركة ما قبل الآخر.
والثاني يبنى ما قبل آخره على الضّمّ.
واعود إلى صوره البيتين معاًن وما أحلاهما:
قومي هم قتلوا أميم أخي
فإذا رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللاً
ولئن سطوت لأوهنن عظمي
وهاكذا تكون الحكمة، وهاكذا يكون التّدبّر.
والناس يقرءون: لأعفونّ، ولأوهننّ بنون التوكيد الثقيلة خطأ، لأنّ الوزن يختلّ بها، ويستقيم بالنّون الخفيفة.
قد بعث إليّ الأخ أمجد الحمدانيّ من الموصل منارة الحاضر والغابر أن: من آكل الخبز الذي ضرب به المثل السائر: أقرى من آكل الخبز؟
قلت للأخ الحمدانيّ العزيز: آكل الخبز هو عبدالله بن حبيب العنبريّ سيّد بني العنبر في زمانه.
وإنّما سمّي هاذا الاسم، لأنّه كان يأكل الخبز، ولا يأكل التّمر، ولا يرغب في اللبن.
وأكل الخبز عندهم ممدوح.
وذكر التاريخ أنّ هوذة بن عليّ الحنفيّ دخل على كسرى أبرويز، فسأله: أيّ ولدك أحبّ إليك؟
فقال: الصغير حتّى يكبر، والغائب حتّى يقدم، والمريض حتى يبرأ.
قال: ما غذاؤك ببلدك؟
قال: الخبز.
فقال كسرى: هاذا عقل الخبز، لا عقل التّمر واللبن.
وكانوا بنو العنبر يفخرون بعبد الله بن حبيب، فيقولون: منّا آكل الخبز، ومنّا مجير الّطير.
وهو نور بن شحمة العنبريّ أيضاً.
*******