البث المباشر

احلى الكلام -۲۷

السبت 19 يناير 2019 - 12:10 بتوقيت طهران

الحلقة 27

سألني الأخ عبد الإله الصّادق من النّجف الأشرف بالعراق أن من هو الرجل المذكور في هذا البيت؟ وما معناه؟

ونصر بن دهمان الهنيدة عاشها

وتسعين حولاً ثمّ قوّم فانصاتا

قلت للأخ الصّادق النّجفّي: نصر بن دهمان هذا المذكور في البيت الذي ورد السّؤال به وعنه هو معمّر جاهليّ ساد حيّه غطفان وهم من قيس، وعاش تسعين ومئة عام كما ورد في البيت نفسه.
وهذا هو معنى قوله: الهنيدة عاشها وتسعين حولاً.
فالهنيدة هي المئة، والحول هو العام، أو السّنة.
فاسودّ شعره، ونبتت أضراسه، وعاد شابّاً، ولا يعرف في العرب أعجوبه مثله.
وهذا البيت وجدته صدراً لبيتين معه، وهنّ:

ونصر بن دهمان الهنيدة عاشها

وتسعين حولاً ثمّ قوّم فانصاتا

ومعنى انصات الرجل استوت قامته بعد انحناء، كأنّه اقتبل شبابه.
والبيتان اللاحقان به هما:

وعاد سواد الّرأس بعد ابيضاضه

وراجعه شرخ الشباب الذي فاتا

وراجع أيداً بعد ضعف وقوّة

ولكنّه من بعد كلّ ذا ماتا

وشرخ الشّباب أوّله.
والأيد هو القوّة، تقول منه: أيّده تأييداً، أي: قوّاه.
والفاعل منه مؤيدّ، والمفعول مؤيّد، أيّدكم الله لكلّ خير.
وقائل هذه الأبيات هو سلمة بن الخرشب الانماريّ.
وقد ورد اسمه في لسان العرب الأنباريّ، وهو خطاً، وصحيحه الأنماريّ كما قلت توّا.
والخرشب: الّطويل السّمين.
وسألني الأخ هداية الله الخزاعيّ من خراسان في شمال إيران الشّرقيّ أن لمن هذا القول السّهل الممتنع:

فإن تمس مهجور الفناء فربّما

أقام به بعد الوفود وفود

قلت للأخ الكريم هداية الله: هذا بيت من أربعة أبيات قالها أبو العطاء السّنديّ واسمه مرزوق، وقيل: أفلح وهو مولى بني أسد.
وهذه أبيات أبي العطاء السّنديّ، وهي مذكورة في كتاب الحماسة لأبي تمّام (رحمه الله) في باب المراثي:

ألا إنّ عيناً لم تجد يوم واسط

عليك بجاري دمعها لجمود

عشيّة قام النّائحات وشقّقت

جيوب بأيدي مأتم وخدود

فإن تمس مهجور الفناء فربّما

أقام به بعد الوفود وفود

وإنّك لم تبعد على متعهّد

بلى كلّ من تحت التّراب بعيد

فما أحلى هذا القول، وما أعذبه!
هكذا، فليكن الشّعر الجميل في كلّ باب، وإلا فلا كان، ولا كان الجمال.
وسألني الصّديق الحميم عبد الرّسول الغفاريّ من عاصمة الأدب العربيّّ الجميل أمس واليوم الكوفة زهرة الفرات الأوسط أن لمن هذا المعنى؟
وما عندك مثله؟

فاذهب بمن شئت إذ ذهبت به

ما بعد يحيى في الرّزء من ألم

قلت لأخي الرّوح عبد الرّسول (حفظه الله): هذا معنىً أغرم به الشّعراء، فاستعملوه كثيراً، ومنهم سيّدهم في الإبداع أبو نواس الحسن بن هانىً في رثائه محمّداً الأمين الخليفة المخلوع قتيلاً:

وكنت عليه أحذر الموت وحده

فلم يبق لي شيء عليه أحاذر

ومنه قول إبراهيم بن العبّاس الصّوليّ يرثي ابنه:

أنت السّواد لمقلة

تبكي عليك وناظر

من شاء بعدك فليمت

فعليك كنت أحاذر

والبيت المسئول عنه هو لأبي سلمى مطيع بن إياس الكنانيّ الشاعر الكوفيّ المولد والمنشا، الفلسطينيّ الأصل.
وهو من مخضرمي الدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة.
نادم المالك الأمويّ الضالّ الوليد بن يزيد وقدحه.
صحب المنصور والمهديّ من بعده، وولّاه المهديّ الصّدقات بالبصرة، فتوفّي فيها.
وكان شاعراً ماجناً، وانقطع إلى جعفر بن المنصور العبّاسيّ إلى أن مات.
وصادق حمّاد عجرد وحمّاداً الراوية.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة