البث المباشر

احلى الكلام -۲٥

السبت 19 يناير 2019 - 12:06 بتوقيت طهران

الحلقة 25

سألني الأخ زيد الفخريّ من الموصل الحدباء منارة التاريخ المشرق في الشّمال العراقي أن من القائل:

يضحي يجانبني مجانبة العدا

ويبيت وهو إلى الصباح نديم

ويمرّ بي يخشى الرقيب فلفظه

شتم وغنج لحاظه تسليم

قلت: هذان البيتان اللطيفان لمدينّي السائل الكريم الأخ زيد الفخريّ، أي: ابن مدينة الموصل الفقيه الشافعيّ المعروف بابن الدّهّان وهو أبو الفرج عبد الله: ن اسعد ابن علي الفقيه الفاضل الأديب الشاعر اللطيف الشّعر، المليح السّبك، الحسن المقاصد.
وقد غلب عليه الشّعر، واشتهر به، وله ديوان كلّه جيّد.
عانى شظف العيش ومرارة الحرمان، حتّى هجر مدينته الموصل إلى مصر ثمّ الشام.
وعجز من استصحاب زوجه، فكتب إلى الشريف أبي عبد الله زيد بن محمّد الحسينيّ نقيب العلويّين بالموصل.

وذات شجو أسال البين عبرتها

باتت تؤمّل بالتفنيد إمساكي

أي: تتأمّل منعي عن السّفر بتضعيف رأيي وتكذيب حلمي وتعجيزي.

لجّت فلمّا رأتني لا أصيخ لها

بكت فأقرح قلبي جفنها الباكي

أراد تمادت في خصومتها له وإبائها سفره، حتى إذا رأته لا يستمع لها وينصت بكت مستكينة له.

قالت وقد رأت الأجمال محدجة

والبين قد جمع المشكوّ والشّاكي

من لي إذا غبت في ذا المحل قلت لها

الله وابن عبيدالله مولاك

لا تجزعي بانحباس الغيث عنك فقد

سألت نوء الثّريّا جود مغناك

أي: لا تجزعي بانحباس القليل عنك بفراقي لك، فقد عهدتك إلى من يسقيك سخاؤه ويفنيك ويسرّك ولا يؤذيك، وهو الشّريف أبو عبد الله زيد بن محّمد بن محّمد بن عبيد الله الحسينيّ نقيب العلويّين بالموصل.
ومن شعر ابن الدّهّان الموصليّ العذب الزّلال، السّهل الممتنع، الآمر الفاخر عينيّته الرائعة في مدح السّلطان صلاح الدّين الأيّوبيّ، وهي التي:

قل للبخيلة بالسلام تورّعاً

كيف استبحت دمي ولم تتورّعي

وزعمت أن تصلي بعام قابل

هيهات أن أبقى إلى أن ترجعي

أبديعة الحسن التي في وجهها

دون الوجوه علامة للمبدع

ما كان ضرّك لو غمزت بحاجب

يوم التّفرّق أو أشرت بإصبع

وتيقّني أنّي بحبّك مغرم

ثمّ اصنعي ماشئت بي أن تصنعي

ولو لا خوف الإطالة لذكرت لهذا الفقيه الفاضل الأديب الشاعر أشياء بديعة أخرى من ديوانه الحافل بالكنوز النّفيسة من الجواهر والدّر التي قلّما نالها أو شيئاً منها أحد من شعراء زماننا.
وبين الغابرين والحاضرين من المقتدرين والمقصّرين في الاستمتاع بنعمة الفوز بما لذّ من البديع، وما نما ودام من الرّفيع من هم جدير بقول أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن السّيّد البطليويّ النّحويّ اللغويّ المتبحرّ في كلّ فنّ، والمتقن لكلّ علم، الحسن التّعليم، الجيّد التّفهيم:

أخو العلم هيّ خالد بعد موته

وأوصاله تحت التّراب رميم

وذو الجهل ميت وهو ماش على الّثرى

يظنّ من الأحياء وهو عديم

سألني الأخ الكريم عبد الرّحيم الرّاجي من كربلاء المطهّرة باباء الشّهداء الأطيبين (سلام الله عليهم أجمعين) أن لمن هذا البيت:

يقولون لي فيك انقباض وإنّما

رأوا رجلاً عن موقف الذّلّ أحجما؟

قلت: هذا البيت للقاضي الفقيه الشاعر الأديب النّاقد العالم السّائح الفطن أبى الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ صاحب الأثر النّقديّ البليغ حقّاً الوساطة بين المتنبّي وخصومه الذي كشف فيه عن فضل رفيع، وفهم بديع.
وكانت وفاته سنة ستّ وستّين وثلاث مئة وعمره ستّ وسبعون سنة. وله في الإباء وعزّة النّفس أيضا:

وقالوا توصّل بالخضوع إلى الغنى

وما علموا أنّ الخضوع هو الفقر

وبيني وبين المال شيئان حرّما

عليّ الغنى نفسي الأبيّة والدّهر

وله في المعنى نفسه:

وقالوا اضطرب في الأرض فالرّزق واسع

فقلت ولكن موضع الرّزق ضيّق

إذا لم يكن في الأرض حرّ يعينني

ولم يك لي كسب فمن أين أرزق

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة