قال سيدّنا المسيح عيسى بن مريم العذراء البتول سلام الله عليهما في الأوّلين والآخرين: طوبى للمتراحمين، أولئك هم المرحومون يوم القيامة.
طوبى للمصلحين بين النّاس، أولئك هم المقرّبون يوم القيامة.
طوبى للمطهّرة قلوبهم، أولئك يزورون الله يوم القيامة، أي: يلاقون نعيمه المقيم، وما أعدّ لهم فيه.
طوبى للمتواضعين في الدّنيا، أولئك يرثون الملك يوم القيامة، أي: العزّة والسّيادة.
طوبى للمساكين، أولئك لهم ملكوت السّماء، أي: لهم السّعادة.
وقال (عليه السّلام): يا عبيد السّوء تلومون الناس على الظّنّ، ولا تلومون أنفسكم على اليقين.
يا عبيد الدّنيا تحبّون أن يقال فيكم ما ليس فيكم، وأن يشار إليكم بالأصابع.
يا عبيد الدّنيا تحلقون رؤوسكم، وتقصّرون قمصكم، وتنكّسون رؤوسكم، ولا تنزعون الغلّ من قلوبكم.
يا عبيد الدّنيا مثلكم كمثل القبور المشيّدة يعجب الناظر ظهرها، وداخلها عظام الموتى مملوّؤة خطايا.
يا عبيد الدّنيا إنّما مثلكم كمثل السّراج يضيء للّناس، ويحرق نفسه.
بحقّ أقول لكم: إنّ الزّرع لا يصلح إلاّ بالماء والتّراب، وكذلك الإيمان لا يصلح، إلاّ بالعلم والعمل.
سألني الصّديق العزيز عبد الرحمن الفخري من كندة عن قائل هذين البيتين:
أؤمّل أن أحيا وفي كلّ ساعة
تمرّ بي الموتى تهزّ نعوشها
وهل أنا إلاّ مثلهم غير أنّ لي
بقايا ليال في الزّمان أعيشها
قلت: هذان البيتان للفقيه الشافعّي الحديثيّ الموصليّ شرف الدّين بن أبي عصرون، وهو أبو سعد عبد الله بن أبي السّريّ محمد بن هبه الله بن مطهّر بن عليّ بن أبي عصرون.
كان من أعيان الفقهاء، وعيون الفضلاء، تنقّل طالباً للعلم، ناشراً إيّاه، ومن شعره:
أؤمّل وصلاً من حبيب وإنّني
على ثقة عمّا قليل أفارقه
تجارى بنا خيل الحمام كأنّما
يسابقني نحو الرّدى وأسابقه
فيا ليتنا متنا معاً ثمّ لم يذق
مرارة فقدي لا ولا أنا ذائقه
ولد بالموصل سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة، وتوفّي بدمشق سنة خمس وثمانين وخمس مئة، ودفن في مدرسته التي أنشأها داخلها (رحمه الله تعالى). ومن سؤال الأخ الكريم عبد الجواد الأعسم إياي أن لمن هذا البيت:
فبين اختلاف الليل والصّبح معرك
يكرّ علينا جيشه بالعجائب
قلت: هذا بيت من قصيدة للفقيه الشاعر البارع أبي محّمد عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان اليمنّي كتبها إلى صاحبه الكامل بن شاور وزير العاضد صاحب مصر سنة ثمان وخمسين وخمس مئة، إذ أغضى عنه قليلاً، ومنها:
إذ لم يسالك الزّمان فحارب
وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب
ولا تحتقر كيداً ضعيفاً فربّما
تموت الأفاعي من سمام العقارب
فقد هدّ قدماً عرش بلقيس هدهد
وخرّب فأر قبل ذا سدّ مارب
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز
عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف الليل والصّبح معرك
يكرّ علينا جيشه بالعجائب
وما راعني غدر الشباب لأنّني
أنشت بهذا الخلق من كلّ صاحب
وغدر الفتى في عهده ووفائه
وغدر المواضي في نبوّ المضارب
وهتف إلىّ الأخ الكريم نافع الزّيديّ من أستراليا أن لمن هذا القول، وما بعده؟
ما تطعمت لذّة العيش حتّى
صرت للبيت والكتاب جليسا
ليس شيء أعزّ عندي من العلم
فما أبتغي سواه أنيسا
إنّما الّذلّ في مخانطة النّاس
فدعهم وعش عزيز ارتيسا
قلت: هذه الأبيات الثلاثة للقاضي أبي الحسن الجرجانيّ، وهو الفقيه الأديب الشاعر الناقد الرائق الفائق عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ الشافعيّ صاحب كتاب الوساطة بين المتنّبي وخصومه، وقد أبان فيه عن فضل عزير، واطّلاع كثير.
وكانت وفاته بنيشابور سنة ستّ وستّين وثلاث مئة، وعمره ستّ وسبعون سنة. وليس لأبياته المذكورة في السؤال بقّية.
*******