وسألني الاخ الكريم احمد المحجوب من الخرطوم وقاها الله السوء عن هذا البيت الرائع:
فتى لم يحب الزاد الا من التقى
ولا المال الا من قنا وسيوف
من قاله؟ وفيمن قيل؟
قلت للأخ المحجوب اسعده الله هذا البيت سابع اربعة وعشرين بيتاَ من بديع الشعر ورفيعه قالتها ليلى بنت طريف التغلبية العنبرية في رثاء اخيها الوليد رأس الخوارج واشدهم صولة وباساً ايام هارون الرشيد الذي شق عليه تعاظم شأنه واشتداد شوكته، فسار اليه يزيد بن مزيد الشيباني - وهو ابن اخي معن بن زائدة - وقاتله مدة، ثم تمكن منه، واخذ رأسه، فقالت اخته ليلى بنت طريف ترثيه بقصيدة حملني ضيق الوقت على الاختيار منها وكلها مختار، ومنها البيت السائر:
الا يا شجر الخابور مالك مورقاً
كانك لم تجزع على ابن طريف
وهذا ما اخترته لكم مضطراً كما قلت توا:
ألا قاتل الله الجثى كيف اضمرت
فتىً كان للمعروف غير عيوف
والجثى - بضم الجيم وكسرها - واحدتها جثوة وجثوة وجثوة ثلاث لغات، هي الاتربة المجموعة.
وفي الحديث: رأيت قبور الشهداء جثىً يعني اتربةً مجموعة.
والعيوف والعيفان هما العائف، وهو الكاره للشيء المعرض عنه.
فتى لم يحب الزاد الا من التقى
ولا المال الا من قناً وسيوف
فقدناه فقدان الربيع فليتنا
فديناه من دهمائنا بألوف
وما زال حتى ازهق الموت نفسه
شجار لعدو اولجا لضعيف
حليف الندى ان عاش يرضى به الندى
وان مات لا يرضى الندى بحليف
الا يا شجر الخابور مالك مورقاً
كانك لم تجزع على ابن طريف
فلا تجزعا يا ابني طريف فانني
ارى الموت وقاعاً بكل شريف
الا يا لقومي للنوائب والردى
ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب اذ هوى
وللشمس همت بعده بكسوف
ولليث فوق النفس اذ يحملونه
الى حفرة ملحودة وسقوف
ولسميه ليلى هذه ليلى بنت سلمة ابيات في رثاء اخيها ايضا تشبه قصيدة بنت طريف كثيراً منها:
أقول لنفسي في خفاء الومها
لك الويل ما هذا التجلد والصبر
وهون وجدي انني سوف اغتدي
على اثره يوماً وان طال بي العمر
فتىً كان يعطي السيف في الروع حقه
اذا ثوب الداعي وتشقى به الجزر
فتىً كان يدنيه الفنى من صديقه
اذا هو استفنى ويبعده الفقر
فتيً لا يعد المال رباً ولا ترى
له جفوة ان نال مالاً ولا كبر
وقولها: ثوّب الداعي يعني عاد مرة بعد مرة.
ومنه تثويب المؤذن للصلاة، وهو نداؤه بعد الاذان: الصلاة رمحكم الله الصلاة يدعو اليها عوداً بعد بدء.
والتثويب هو الدعاء للصلاة وغيرها.
واصله ان الرجل اذا استصرخ قومه لوح لهم بثوبه، ليرى ويشتهر، فكان ذلك كالدعاء فسمي الدعاء تثويباً لذلك.
وكل داع مثوب.
وقول ليلى بنت سلمة: وتشقى به الجزر خففته الضرورة من الجزر، وهو ما يذبح من الشّاء ذكراً كان او انثى، واحدتها جزرة.
والمعنى ان الشاء تشقى بكثرة ذبحه اياها كرماً وجوداً.
*******