وهتف الي الاخ مصطفى الصافي من النجف الاشرف بالعراق قائلاً: ما المراد بهذا البيت، ولمن هو، وفيم قاله؟
ان الكواكب في علو مكانها
لترى صغاراً وهي غير صفار
قلت: هذا البيت من قصيدة تتألف من ستة وثمانين بيتاً ينافس بعضها بعضاً في الجمال والجلال، وهي من اروع ما قيل في الرثاء من الشعر العربي الرصين.
قالها الشهيد ابو الحسن التهامي علي بن محمد بن فهد الذي ولد في اليمن، وقدم الشام والعراق والجبل شمال غرب ايران، ومعظم شعره في المديح، وكان ورعاً ديناً يتحاشى الهجاء.
وقد قتل سراً مسجوناً في مصر سنة ست عشرة واربع مئة.
له ديوان شعر لطيف طبع في مطبعة الاهرام بالاسكندرية عام ثلاثة وتسعين وثماني مئة والف لميلاد سيدنا المسيح (عليه السلام) ومطلع قصيدته التي فيها البيت المسئول عنه:
حكم اطنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الانسان فيها مخبراً
حتى يرى خبراً من الاخبار
يا كوكباً ما كان اقصر عمره
وكذاك عمر كواكب الاسحار
عجل الخسوف عليه قبل تمامه
فمحاه قبل مظنة الابدار
ان يحتقر صغراً فرب مفخم
يبدو ضئيل الشخص للنظار
ان الكواكب في علو مكانها
لترى صغاراً وهي غير صفار
وهذا البيت من التشبيه الضمني الجميل جداً، إذ عقد مقارنة لطيفة بين ولده الصغير والكوكب الكبير، فكلاهما جسيم في حقيقته، وان بدا للناظرين ضئيلا. ومن البيت المئول عنه اخذ المعري (رحمه الله) قوله البديع:
والنجم تستصغر الابصار رؤيته
والذنب للعين لا للنجم في الصغر
وهو من التشبيه الضمني ايضاً.
وكتب الي الاخ عبد الهادي الجبوري من الموصل بالعراق - حماء الله من كيد اعدائه جميعاً- ان بم تعظ نفسك لو كنت واعظا؟
قلت: لو كنت واعظاً على ما تفضل الاخ الكريم عبد الهادي الجبوري - نفعنا الله تعالى بعظته: لو عظت نفسي ومن أحب بالعمل بالحديث النبوي الشريف: من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
وقد استضاء ابراهيم بن أدهم بهذا الحديث الشريف، فوعظ رجلاً رآه يحدث ربمالا يعنيه، فوقف عليه، وقال: اكلاماً ترجو به الثواب؟
قال: لا.
قال ابراهيم: افتا من عليه العقاب؟
قال: لا.
قال ابراهيم: فعليك اذن بذكر الله - تبارك و تعالى- ما تصنع بكلام لا ترجو به ثوابا ولا تأمن عليه عقابا؟
وسألني الاخ نور الدين العراقي من المغرب ان طن هاذان البيتان الرائعان لإ وما قصة ان كان لهما قصة
ولقد زاد الفؤاد شجيً
طائر يبكي على فننه
شفه ما شفني فبكى
كلنا يبكي على وطنه
هاذان البيتان الطريفان للشاعر الغزل المشهور ابي الفضل العباس بن الاحنف اليمامي الحنفي خال الشاعر المؤلف المشهور ايضاً ابراهيم بن العباس الصولي.
وجاء في خبر وفاته أن جماعة من البصريين خرجوا للحج، فحادوا عن الطريق للصلاة، فجاءهم فتيً، وسالهم ان هل فيكم بصري؟
فقالوا: كلنا من البصرة.
فقال: ان مولاي منكم، وهو يدعوكم اليه، فلما جلسوا حوله، وهو عليل رفع طرفه، وانشأ يقول:
يا بعيد الدار عن وطنه
مفرداً يبكي على شجنه
كلما جد الرحيل به
زادت الاسقام في بدنه
قال هاذين البيئين، واغمي عليه طويلاً، واقبل طائر، فوقع على الشجرة التي كان تحتها، واخذ يفرد، ففتح عينيه، وراح يسمع تفريده، ثم قال:
ولقد زاد الفؤاد شجيً
طائر يبكي على فننه
مشفه ما شفني فبكى
كلنا يبكي على وطنه
ثم تنفس نفساً فاض به روحه ففسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه، وسألوا الفتى منه، فقال: هاذا العباس ابن الاحنف صاحب الشعر الرقيق، والطبع اللطيف.
*******