«بما أن لغة القرآن والعلوم والمعارف الإسلامية هي باللغة العربية، والأدب الفارسي ممزوج بها، يجب تدريس هذه اللغة في جميع الصفوف وفي جميع التخصصات من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية».
هذه أجزاء من المادة 16 من دستور جمهورية إيران الإسلامية ووفقاً لهذا الأصل الدستوري الصريح، فإن الطلاب الإيرانيين ملزمون بأخذ اللغة العربية وتعلّمها. لا تقتصر أهمية اللغة العربية على هذا الحد. يجب على الطلاب الإيرانيين أن يجتازوا أيضاً امتحان القبول للجامعة من أجل الالتحاق بالجامعات. في هذه المرحلة، يجب على الطلاب إجراء اختبار يقيّم العناوين الرئيسية في اختصاصهم الدراسي. بالإضافة إلى العناوين التخصصية، يتم تقييم عدد من المواد العامة غير التخصصية في جميع التخصصات. هنا أيضاً، تعتبر اللغة العربية من المواد الدراسية التي يجب على الطلاب تقديم الامتحان فيها.
بالإضافة إلى اللغة والأدب الفارسيين، جعلت جمهورية إيران الإسلامية، بناءً على المادة الدستورية المذكورة أعلاه، تدريس اللغة العربية في المدارس بشكل عمومي. في هذا الصدد، تم تأليف الكتب المدرسية وتعليمها للطلاب. ونظراً لأن عدد طلاب المدارس الثانوية يقدر بنحو 16 مليوناً، أصبحت أهمية هذه المادة الدستورية واضحة بشكل متزايد.
بالإضافة إلى نظام التعليم العام في البلاد في مراحل ما قبل الجامعة، تحظى اللغة العربية أيضاً بمكانة خاصة بعد هذه المرحلة. ومنذ فترة طويلة، تم إنشاء أقسام اللغة العربية وآدابها في الجامعات الصغيرة والكبيرة في إيران، ويجري تدريب متخصصين وخبراء في اللغة العربية على مختلف المراحل التعليمية.
تعتبر هذه الأقسام بمستوى الجامعات في الدول العربية أو خارجها من حيث التعليم في كل من مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا. وتعد اللغة العربية حالياً أحد التخصصات الأكاديمية البارزة في إيران ويتم تدريسها في 3 مستويات: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، في اختصاصات اللغة العربية وآدابها، وترجمة اللغة العربية وآدابها، وتعليم اللغة العربية.
وبالإضافة إلى نظام التعليم العام والجامعي، تعتبر الحوزات الدينية في إيران أيضاً من المراكز الأخرى التي تهتم باللغة العربية. وبعض المواد التعليمية العامة يتم تدريسها للطلاب ليس باللغة الفارسية بل باللغة العربية، ويتم توفير الكتب والكرّاسات لهم بهذه اللغة.
تبرز أهمية اللغة العربية في الجمهورية الإسلامية ولدى الشعب الإيراني لدرجة أنه يمكن القول إن هذه اللغة أصبحت اليوم جزءاً من الهوية القومية والدينية للإيرانيين، فقد كان للّغة العربية تأثير هائل على تطوّر الأدب الفارسي.
وأشار الشهيد مرتضى مطهري، أحد أهم المفكرين الإسلاميين وطلاب الإمام الخميني (قده)، والذي أدّى أيضاً دوراً مهماً في النهضة الثقافية للثورة الإسلامية، إلى نقاط لافتة حول هذه القضية في أحد كتبه بعنوان «الخدمات المتبادلة بين الإسلام وإيران»، وكتب: «لو أن إحياء اللغة الفارسية كان بسبب مواجهة الإسلام، فلماذا سعى واجتهد نفس هؤلاء الإيرانيين من أجل إحياء اللغة العربية وقواعده اللغة، وصرف ونحو اللغة العربية، والمعاني والعبارات البديعة للغة العربية، وفصاحة وبلاغة اللغة العربية؟».
يعتبر الشهيد مطهري تأثير الإسلام ولغته - العربية - في كتب أدباء وشعراء وحتى حكماء القرنين السادس والسابع لإيران كان أكبر وأكثر وضوحاً، ويقدّم المولوي والسعدي والنظامي والحافظ - أعظم الشعراء الفارسيين للتاريخ الإيراني والثقافة شهوداً على ادّعائه، فقد كان هذا التأثير كبيراً إلى حدٍّ جعل بعض الشعراء الإيرانيين العظماء يكتبون بعض قصائدهم باللغة العربية.
ولا تزال هذه القضية موضع اهتمام خاص في جمهورية إيران الإسلامية. وعلى سبيل المثال، في نظام الجامعات الإيرانية، يتم تدريس لغات أجنبية أخرى في كلية اللغات الأجنبية بالجامعات. لكن اللغة العربية هي الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة. فقد جعلت جميع الجامعات الإيرانية اختصاص اللغة العربية وآدابها ضمن كليات اللغة الفارسية والآداب والعلوم الإنسانية، ولا تنظر إليها على أنها لغة أجنبية بل كجزء من هويتها الخاصة ولغتها المحلية.
التداخل بين اللغتين العربية والفارسية هو لدرجة أنه وفقاً لقول الدكتور محمد علي آذرشب، الأستاذ البارز للغة العربية وآدابها في جامعة طهران، هاتان اللغتان هما لغتا الحضارة الإسلامية وقد أدرك العالم العربي هذه المسألة، وفي هذا الصدد، قررت الجامعة العربية على أن تكون اللغة الفارسية إحدى اللغات الرسمية في جامعات العالم العربي.
للأسف، على عكس جمهورية إيران الإسلامية، لا تهتم الدول الإسلامية الأخرى كثيراً باللغة العربية. وفي هذا الصدد، يؤكد الدكتور آذرشب أن «الدول الإسلامية لا تولي اللغة العربية اهتماماً خاصاً. نحن نؤمن بأن اللغة العربية ليست لغة للعرب فقط وهي لغة الحضارة الإسلامية، من مضيق المغرب إلى جاكرتا في الشرق الأقصى».
بالإضافة إلى ما قيل، نظراً لأهمية اللغة العربية، وبما أن 18 ديسمبر/كانون الأول تم تحديده بعنوان اليوم العالمي للغة العربية، فإن الجامعات الكبرى في جمهورية إيران الإسلامية تحتفل سنوياً بهذا اليوم من خلال إقامة مراسم متنوعة.
ولا تقتصر أهمية اللغة العربية في جمهورية إيران الإسلامية على ذلك. في هذا الصدد، يجب القول أنه في إيران في فترات مختلفة، تم نشر المخطوطات العربية مع تصحيح أساتذة إيرانيين، وقد استفاد منها باحثون عرب. ويُشار إلى أنه قد تم نشر عدد كبير من المخطوطات العربية خلال مرحلة الجمهورية الإسلامية في إيران.
ونُشرت معظم هذه المخطوطات لأول مرة أو أعيد طباعتها استناداً إلى مخطوطات جديدة كانت غير متاحة للمستشرقين والباحثين العرب. ترتبط هذه المخطوطات بمختلف العلوم الدينية واللغوية والأدبية والفلسفية، وقد تم تصحيحها ونشرها من قبل أساتذة إيرانيين. وبحسب آخر التقارير فإن هناك أكثر من مليوني مخطوطة عربية محفوظة حالياً في إيران.
تقدم جمهورية إيران الإسلامية، من أجل تعزيز مكانة اللغة العربية، فرصة للعديد من الناشرين من الدول العربية، وخاصة من الكويت ومصر ولبنان والعراق وسوريا، للمشاركة في المعرض الدولي للكتاب الذي يعقد سنوياً في طهران.
كما يمكن ملاحظة الاهتمام الجاد لجمهورية إيران الإسلامية باللغة العربية بوضوح في وسائل الإعلام. ففي الوقت الحالي، إن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام في جمهورية إيران الإسلامية - سواء كانت حكومية أو غير حكومية، مرئية أو سمعية - لديها قسم خاص باللغة العربية. إن هذه المسألة، بالإضافة إلى إبراز أهمية ومكانة اللغة العربية في نظر جمهورية إيران الإسلامية، تشير إلى أن إيران جعلت اللغة العربية جسراً بينها وبين دول العالم الإسلامي.
هدفت جمهورية إيران الإسلامية والإمام الخامنئي إلى إيجاد «حضارة إسلامية جديدة» ضمن مسار الثورة وبناء النظام. من الواضح أنه في مثل هذا الأفق تجد اللغة العربية مكانة خاصة. الجانب الآخر من هذا الادعاء هو وجود الإمام الخامنئي في منصب القيادة العامة للجمهورية الإسلامية. فهو شخصٌ، بالإضافة إلى الأبعاد السياسية والمناهضة للاستعمار والاستكبار، لديه اهتمام خاص بالثقافة والأدبين الفارسي والعربي.
وهذا كلّه بمعزلٍ عن دراية سماحته الواسعة بهذه اللغة بصفته فقيهاً، فاللغة التخصصيّة للفقه هي اللغة العربيّة، ولهذا السبب، فإن سماحته لديه اهتمام خاص باللغة العربية. وتجدر الإشارة إلى أنه في نظر سماحته، على الرغم من التأكيد الكثير على الحفاظ على اللغة الفارسية وتعزيزها، إلّا أنه لا يُنظر إلى الفارسية والعربية على أنهما لغتان منفصلتان. في مثل هذا السياق، لن يكون عجيباً من سماحته أن يعقد جلسات حول الأدب العربي القديم والجديد، ويتحدث فيها باللغة العربية.
إن مقولة الحضارة الإسلامية الجديدة هي دليل آخر على تأكيد وأهمية اللغة العربية في الجمهورية الإسلامية. من خلال هذه النظرة، فإن الفارسية والعربية ليستا لغتين منتميتين إلى قومين أو شعبين خاصّين، ولن تكونا كذلك؛ بل لغتان من المفترض أن تحملان الحمل العظيم للحضارة وأن ترسمان للبشرية اليوم العالمَ والإنسانَ الجديد. حدثٌ حدثَ مرة في القرن السابع والثامن والتاسع الهجري، وأهدى للبشرية حضارة عظيمة تدور حول مدار التوحيد.