وقد خطبها كبار الصحابة والنبي صلى الله عليه وآله يعتذر دائما بقوله: أمرها إلى ربها, إن شاء يزوّجها زوجّها...
وروي شعيب بن سعد المصري في(الروض الفائق):«فلما استنارت في سماء الرسالة شمس جمالها, وتم في أفق الجلالة بدر كمالها, امتدت إليها مطالع الأفكار وتمنت النظر الى حسنها أبصار الأخبار, وخطبها سادات المهاجرين والأنصار, ردهم (المخصوص من الله بالرضا) وقال: إني أنتظر بها القضاء».
وخطبها أبوبكر وعمر فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنها صغيرة وخطبها عبد الرحمن بن عوف, فلم يجبه النبي بل أعرض عنه.
أما علي بن ابي طالب فقد نزل في بيت سعد بن معاذ, وصادف أن يعمل في بعض بساتين المدينة, وجاء اليه سعد بن معاذ وقال: ما يمنعك أن تخطب فاطمة من ابن عمك؟
و في (منتخب العمال): إنطلق عمر إلى علي عليه السلام فقال: ما يمنعك من فاطمة فقال: أخشي أن لا يزوِّجني! قال: فإن لم يزوجك فمن يزوج؟ وأنت أقرب خلق الله إليه...الخ.
وطلب علي فاطمة من أبيها, رسول الله صلى الله عليه و آله وهو الذي له الولاية العامة على جميع المسلمين والمسلمات دون استثناء, حتى على عليّ وفاطمة, لكن الرسول لم يعلن موافقته لعليّ قبل الاستئذان من السيدة الزهراء, حفظا لكرامتها, ولتكن سنّة لعامة المسلمين...
ودخل النبي على ابنته واكتفى بقوله:« يا فاطمة إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله و إسلامه, وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه, و أحبهم اليه, وقد ذكر عن أمرك شيئا, فما ترين؟».
فسكتت, ولم تولّ وجهها, ولم ير فيها رسول الله صلى الله عليه وآله كراهة, فقام وهو يقول: الله اكبر! سكوتها إقرارها.
ثم عاد الرسول إلى علي, فأخبره بالموافقة وسأله: هل معك شئ أزوجك به؟ أجاب علي: فداك أبي وأمي! والله لا يخفى عليك من أمري شئ, أملك سيفي و درعي وناضحي(البعير الذي يحمل عليه الماء). و أشار رسول الله صلى الله عليه وآله على عليّ أن يبيع الدرع وكان ثمنه صداقا لإبنته سيد الأنبياء والمرسلين...
وكان الله (عزّ وجل) قد زوج فاطمة الزهراء من علي بن أبي طالب عليه السلام في السماء قبل أن يزوجها رسوله على الأرض كرامة لها ولأبيها, وبعلها وبنيها الذين سيولدون منها, وهم حجج الله على الخلق أجمعين.
فباع علي عليه السلام درعه. يقول أبوبكر: وكانت الدراهم التي أعطانيها ثلاثة وستين درهما؛ فحضروا السوق فكانوا يعترضون الشيء مما يصلح, فكان مما اشتروه:
فراشان من خيش مصر, حشو أحدهما ليف, وحشو الآخر من جز الغنم
نطع من أدم
وسادة من أدم حشوها من ليف النخل
عباءة خيبرية
قربة للماء
كيزان وجرار وعاء للماء
مطهرة للماء مزفّتة
ستر صوف رقيق
قميص بسبعة دراهم
خمار بأربعة دراهم
قطيفة سوداء
سرير مزمل بشريط
أربعة مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر
حصير هجري
رحى لليد
مخضب من نحاس
قعب للبن
شنٌّ للماء
وعُرض المتاع على رسول الله وكان في حجرة أم سلمة جعل يقلبه بيده ويقول: بارك الله لأهل البيت. وفي رواية رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم بارك لقوم جُلُّ آنيتهم الخزف...
هذا جميع الأثاث والمتاع الذي اشتروه لسيدة نساء العالمين. و ثلثاً لشراء الطيب والعطر للزفاف, وثلثا تركه أمانة عند أم سلمة ثم رده إلى عليٍ قبيل الزفاف إعانةً ومساعدة منه إليه لطعام وليمة الزفاف.
حفل الزواج
يقول أنس بن مالك إن الرسول صلى الله عليه وآله قال له: إنطلق وادع لي أبابكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم من الأنصار. وانطلق أنس بن مالك فدعاهم فلما أخذوا مجالسهم قال لهم الرسول صلى الله عليه وآله: «الحمد لله المحمود بنعمته المحمود بقدرته، المطاع لسلطانه المهروب اليه من عذابه, النافذ أمره في أرضه وسمائه الذي خلق الخلق بقدرته و نوّرهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وآله إن الله عزّ وجلّ جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وحكما عادلا وخيرا جامعا أو شج بها الأرحام و ألزمها الأنام.
فقال الله عزّ وجلّ: «وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا» وأمر الله يجري إلى قضائه, وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل اجل كتاب, يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب, ثم ان الله تعالي أمرني أن أزوج فاطمة من علي وأشهدكم أني زوجت فاطمة من عليٍّ على أربعمائة مثقال فضة إن ترض بذلك علي السنة القائمة والفريضة الواجبة فجمع شملها وبارك لها واطاب نسلها و جعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة و أمن الأمة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي و لكم».
ويقول أنس بن مالك إن علياً خر ساجداً لله سبحانه وتعالى شكراً له فلما رفع عليٌّ رأسه من سجدته قال له الرسول صلى الله عليه وآله: ـ بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيِّب. و في ليلة الزفاف أرسل المهاجرون والأنصار بالكثير من الهدايا إلى الرسول صلى الله عليه وآله كالبُرِّ والسَّمنِ والبقر والأغنام. فأمر الرسول صلى الله عليه وآله بطحن الحبوب وذبح الأغنام والمواشي.. ودعا الناس إلى الطعام فكان عدد من أكل في ليلة زفاف الزهراء أربعة آلاف, واقتصر طعام الوليمة على الثريد المكون من الخبز واللحوم.. وركبت الزهراء بغلة الرسول (الشهباء) وأمسك بمقودها رجل يدعى سلمان وسار من خلفها أبوها صلى الله عليه وآله ومعه حمزة وجعفر وعقيل وبنو طالب شاهرين سيوفهم.
ولما وصل الموكب إلى دار العروسين أمسك الرسول صلى الله عليه وآله يد فاطمة بيده اليسرى وأمسك يد عليٍّ بيده اليمنى ثم قال لهما ووَجهُه الكريم يفيض بالبشر والسرور. ـ اذهبا إلى بيتكما.. جمع الله بينكما.. وأصلح بالكما. أستودعكما الله.. وهكذا كانت حفلة زواج خير خلق الله وأحبهم اليه وسيدة نساء العالمين.