و"الدكتورة سمية عفيفي" هي واحدة من عظيمات مصر اللاتي تم تهميشهنّ رغم تفردها وتميزها بين بنات جيلها، ورغم ما قدمت من إنجازات متعددة، فهي تعتبر أول فتاة تتخصص في دراسة وتعليم اللغة الروسية في مصر وغرب آسيا وأفريقيا، كما أنها كانت الأستاذة المصرية الأولى المتخصصة في تدريس اللغة الروسية، وهو ما كان حكراً على الأساتذة الروس فقط قبلها.
كما أنها كانت أول مصرية وعربية تترجم معاني القرآن الكريم للغة الروسية، حيث أن جميع الترجمات التي تمت قبل ترجمتها، كانت من قبل بعض المترجمين الروس، ولم تكن دقيقة مثلما فعلت الدكتورة سمية عفيفي في ترجمتها.
ويضيف الباحث في التراث، الكاتب خطاب معوض خطاب، في كتابه "شخصيات مصرية": والحقيقة أنه لم تتخيل الفتاة المصرية الشابة سمية عفيفي، أو يخطر يوماً لها على بال أن تسافر إلى روسيا أو أن تتعلم اللغة الروسية، ولكنه القدر الذي ساقها للسفر إلى ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي، لإكمال دراستها العليا بعد تخرجها في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية سنة 1956، وذلك بسبب الظروف السياسية التي كانت تمر بمصر في ذلك الوقت، حينما قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان على مصر، فوقتها توقفت البعثات التعليمية المصرية إلى أوروبا وتحولت إلى الاتحاد السوفييتي السابق.
وحينها ترشحت الفتاة المصرية الشابة سمية عفيفي للسفر ضمن أول بعثة لدراسة اللغة الروسية في الاتحاد السوفييتي، وتزامن سفرها في ذلك الوقت مع إعلان خطبتها على الدكتور عبد العظيم عباس رئيس قسم الكيمياء والطبيعة بكلية التربية جامعة عين شمس فيما بعد.
وحصلت دكتورة سمية عفيفي على شهادة دكتوراه الفلسفة في اللغة الروسية وآدابها من جامعة موسكو سنة 1964، وعملت مدرساً ثم أستاذاً مساعداً ثم أستاذاً بقسم اللغات السلافية بكلية الألسن، وهو القسم الذي يضم اللغات الروسية والتشيكية والمجرية.
وفي سنة 1985 حصلت على ماجستير في تدريس اللغة الإنجليزية من الجامعة الأمريكية، والدكتورة سمية عفيفي كانت تقوم بمهمة قراءة الصحف الروسية لصالح مؤسسة الرئاسة المصرية وتترجم مقتطفات منها على مدى سنوات طويلة، كما كانت تقوم بالترجمة الفورية من الروسية وإليها في المؤتمرات الدولية.
ونشر لها ما يقرب من 40 بحثاً باللغات الروسية والعربية والإنجليزية في مختلف المجالات، كما قامت الدكتورة سمية عفيفي بترجمة عدد من الكتب الأدبية من الروسية وإليها، ولكنها كانت تعتز كثيراً بأنها أول عربية في التاريخ تقوم بترجمة معاني القرآن إلى اللغة الروسية، حسبما ورد في عدد من المصادر، حيث قامت بترجمة معاني 26 جزءا من القرآن الكريم وقد أكمل الدكتور عبد السلام منسي ترجمة باقي الأجزاء، كما ترجمت عدداً من الكتب الدينية الإسلامية إلى اللغة الروسية.
وتم تكريم الدكتورة سمية عفيفي أكثر من مرة في عدد من المحافل، ففي مصر منحت وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى سنة 1995، ومُنحت جائزة البحوث الممتازة بجامعة عين شمس سنة 1975، كما منحت جائزة جامعة عين شمس التقديرية سنة 2000، ومنحها الاتحاد الدولي لأساتذة اللغة الروسية سنة 1985 ميدالية اسكندر بوشكين للغة الروسية، بالإضافة لتكريمها من قبل المركز الثقافي الروسي بالقاهرة ومن قبل وزارة الثقافة المصرية.
والمعروف أن الدكتورة سمية عفيفي ولدت يوم أول يوليو سنة 1935، قد ولدت في بيئة اختلط فيها أصالة التراث والعلم الديني بالإطلاع على علوم ومعارف الغرب، فهي ابنة واحد من علماء الأزهر الشريف، كما أن والدتها كانت من القليلات اللاتي حصلن على شهادة الدكتوراه من أوروبا، ولكنهما توفيا وتركاها وهي في سن الثامنة وتولت خالتها كفالتنا وتربيتها، وقد أنجبت الدكتورة سمية عفيفي من زوجها الدكتور عبد العظيم عباس ولدين، هما الدكتور ياسر الحاصل على دكتوراه الأشعة التشخيصية من جامعة عين شمس، والدكتور خالد الحاصل على دكتوراه في هندسة النقل، وبعد حياة عامرة بالكفاح، وطلب العلم وتعليمه رحلت الدكتورة سمية محمد موسى عفيفي عن الدنيا سنة 2005 عن عمر ناهز 70 عاماً.